الكثير من السودانيين الذين يعيشون في إثيوبيا يعرفون الشاب صلاح و يتقاطرون عليه بشكل دائم في مطعمه في حي “هايوليت”، أو في وكالته التي بدأت نشاطها في الأشهر القليلة الماضية.
قل ما يخلو المكان من السودانيين المقيمين في أديس أبابا أو العابرين إلى الدول الأخرى، حيث تجد الشاب في سعي دائم لتوفير سكن لهؤلاء و مساعدة أولئك في إكمال إجراءات سفرهم إلى مقاصدهم المختلفة، فيبدو المكان كما لو كان في قلب الخرطوم الحبيبة، و التي هدَّها جهد الحرب و حرم أهلها طعم أن يعيشوا في وطنهم.
صلاح الدين محمد محمود عبد القادر من مواليد أم درمان، نشأ و تعلم فيها، و هو أم درماني يحمل دم والده السوداني و والدته الإثيوبية.
يتحدث صلاح عن دراسته المرحلة الأساسية في مدرسة خاتم الأنبياء بأم بدة الحارة الرابعة، و دراسة المرحلة الثانوية بمدرسة العاشرة النموذجية بنين، و التعليم الجامعي في جامعة أم درمان الأهلية و هو خريج محاسبة مالية، يتذكر زملائه و جيرانه و “صاحب الدكان”، متمنيا أن يكونوا جميعا بخير في خضم هذه الحرب.
عندما اندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 كان صلاح واحدا ممن شهدوا اشتعالها، و شاهدوا أولى نذر فظاعتها، فغادر كملايين السودانيين إلى الخارج، حيث وصل إثيوبيا في التاسع عشر من مايو 2023 يحمل هم النجاة.
الحياة في إثيوبيا تبدو رائعة للعابرين، إلا أن المقيمين يدركون بسرعة أن المال هو حقا عصب الحياة، حيث تواجه الكثيرين الصعوبات المالية عندما يتأخر حصولهم على عمل مناسب و ما أندر ذلك.
بدأ الشاب صلاح مشوار نجاحه بافتتاح مطعم اجتذب السودانيين بأعداد كبيرة، حيث قدم الوجبات السودانية و الأكلات الأصيلة بمختلف طعومها.
الشاب صلاح كان يعتبر مطعمه “سودان مصغر”
يروي أن مطعمه كان ملتقى للسودانيين أكثر من كونه مكانا لتناول الطعام، يقول : “كان المقيمون يلتقون بأولئك الذين خرجوا لتوِّهم من السودان بأشواق صادقة تفسرها نظراتهم و أحاديثهم، لقد كان المطعم هو السودان بالنسبة لهم”.
يرى صلاح أن افتتاحه لوكالة سفر في أديس أبابا سببه عمله في المطعم! ؛ فقد كان يعاون قصَّاده من السودانيين في حل مشكلات السكن و استكمال إجراءات السفر إلى البلدان الأخرى، يقول : “كانوا بحاجة ماسة إلى من يعاونهم، كنت أفعل ذلك لأني منهم”.

الكثير من رواد المطعم لا يخفون دهشتهم عندما يستمعون لصلاح يتحدث الأمهرية كما لو كان يعيش في إثيوبيا عقودا من الزمان، يقول صلاح إنه من أوائل الوافدين إلى إثيوبيا بعد اندلاع الحرب، و كان في بادئ الأمر يجتهد في فهم اللغة و إيصال المعلومة للآخرين إذ كانت الأمهرية لغة جديدة عليه تماما، و يرى أن سر تحلق السودانيين حوله هو قدرته على التعاطي مع الإثيوبيين باللغة الأمهرية و التي طور معرفته بها حتى أصبح يتحدثها بطلاقة، إضافة إلى صدقه في علاقاته مع الآخرين سودانيين كانوا أو إثيوبيين.
لا يخفي صلاح تأثره و هو يقول بأنه كان يجد صورته في مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي، و كان يتأثر كثيرا لما يكتبه الناس عنه، و دعواتهم له، تعبيرا عن امتنانهم و تقديرهم لما قدمه من مساعده.
الشاب صلاح يحن إلى أم درمان
يقول صلاح دامعا إنه يشعر بأنه في أم درمان و حوله أهلها عندما يكون في مطعمه وسط السودانيين، و هي واحدة من استراتيجياته الشخصية التي طورها لقهر شعور الغربة القاسي، إلا أنه يستدرك بأنه لا بديل لأم درمان إلا أم درمان.
أقام صلاح بمدينة قندر لمدة شهر، يقول “كل مافعلته هناك هو استقبال السودانيين القادمين و توجيههم ناحية الفنادق الأقل تكلفة، مع تزويدهم بالنصائح المهمة التي تضمن سلامتهم، كان ذلك قليلا في حقهم، لكنني كنت أستطيعه”.
يتذكر صلاح مواقف مؤثرة كثيرة عايشها و تعرض لها خلال مرافقته أهله القادمين من السودان، إلا أنه يستدرك أن الجميع لا يذكرون الحرب بخير، و يتساوون في أن لكل منهم معاناة و ذكريات عصية على النسيان.
يقول صلاح إن أكثر ما يؤثر عليه هو انقطاع شبكات الاتصال في السودان، و يعني ذلك عنده أن الأخبار و أحوال الأهل و الجيران تظل طي الغيب، و يظل هو في حالة من القلق حتى عودة التواصل.
يتلو صلاح الآية الكريمة “فإن مع العسر يسرا” ، و يدعو للسودان بالأمن و صلاح الأحوال، و للسودانيين بالعودة الحميدة إلى بلادهم.