جريمة الفساد كيف تدمر المجتمعات و الدول

تعمل الشعوب على دفع ممثليها على مستوى الحكم على سن التشريعات الضامنة لمنع كافة النشاطات المضرة بالمجتمع، و التي تحول دون تقدمه، و تقعده عن التطور و الحصول على الرفاهية، و الترقي الطبيعي، و من بين النشاطات المؤذية بشكل لا يضاهى جريمة الفساد.
ما هي جريمة الفساد ؟
يعرف الفساد بأنه استخدام غير مشروع للسلطات العامة من أجل تحقيق مكسب ذاتي أو شخصي.
و تشير كلمة “فساد” في أوقات كثيرة إلى إساءة استخدام السلطة الممنوحة بحكم القوانين، سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص.
و يجمع الفساد قائمة بغيضة من المفردات تحت مظلته، من ضمنها الرشوة، و المحسوبية، و أكل المال العام، و غسل الأموال.
و لارتباطه بجرائم قبيحة و مهددة للمجتمع تصنف الدول المختلفة الفساد على أنه من مهددات أهم أهداف الدولة و هي التنمية، و هو الآفة التي لا تشبع عن التهام الموارد، كما أنه يجعل مؤسسات الدولة في مواضع الشبهات، و يهدم أركان العدالة.
ما هي أنواع الفساد ؟
للفساد أنواع مختلفة من ضمنها الفساد الإداري كالاعتماد في الوظائف دونما التزام بالشروط الموضوعة سلفا، و كذا يتمظهر في تأخير المعاملات لأسباب خاصة، كأن ينشغل الموظف بهاتفه في ساعات خدمة المواطنين على سبيل المثال، أو يخرج دون اكتمال ساعات الدوام اليوم و نحوها.
و من أنواع الفساد الفساد المالي و الذي يشيع في عدد من المجتمعات متمظهرا في “الرشوة” و اختلاس المال العام و التلاعب في المناقصات.
و تشمل أنواع الفساد الفساد السياسي، مثل تزوير نتائج الانتخابات، و استغلال السلطة لمصادرة رأي الآخرين، و شراء الذمم و الأصوات الانتخابية.
و من أنواع الفساد الخطرة و المدمرة ذلك المرتبط بالقضاء، و الذي يتسبب في تشويه القضاء و تدمير قيم العدالة.
و يعتبر الفساد المؤسسي أحد أنواع الفساد الأشد أذى و تدميرا، حيث يشيع الفساد في هيكل مؤسسة ما حتى يصبح جزءا من بنيتها و نشاطها.
التشريعات السماوية و جريمة الفساد
مثلما منعت التشريعات السماوية كل ما يضر بالمجتمع و الفرد من سلوكيات و أفعال، فقد حرمت جميع الأديان السماوية الفساد، و عدته من أسوأ الأفعال لا رتباطه بالإضرار بالأشخاص و المجتمعات.
و جاء في القرآن الكريم فيما يختص بقصة قارون الذي كان أكثر الناس ثراء ” و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين”. -سورة القصص.
و قد حرم الله الفساد في الأرض في الكثير من الآيات من القرآن الكريم، و التي وعدت أهله بالعذاب الأليم في الآخرة و الخزي في الدنيا، و ذات الأمر ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بكل وضوح حين ذم الراشي و المرتشي، و ذكر أنهما ملعونين من الله.
أما في الدين المسيحي فقد جاء في الكتاب المقدس: ” ويل لكم أيها الكتبة و الفريسيون المراؤون لأنكم تنقون خارج الكأس و القصعة و هما في الداخل ممتلئان اختطافا و دعارة”.
أما الديانة اليهودية فقد منعت جرائم الفساد بشدة، فقد جاء في التوراة أن الرشوة تعمي أعين الحكماء و تفسد كلمات الصديقين.
و تظهر التشريعات السماوية حربا شديدة تجاه الفساد للتضاد المباشر بين القيم السماوية كالعدالة و النزاهة و الجرائم المرتبطة بالفساد.


لماذا تحارب كل الدول الفساد ؟
تحارب كل دول العالم الفساد ليس من منطلقات دينية فحسب، إنما لتهديده الدولة و وجودها لكونه من معيقات الاستقرار و التنمية.
يتسبب الفساد في زوال الدولة بسبب تدمير الثقة بين المواطنين و المؤسسات الحكومية، إضافة إلى صناعته لبيئة طاردة للاستثمار فيذهب المستثمرون المحليون و الأجانب إلى دول أخرى لا يتعرضون فيها لضياع المال او طلب الرشاوى.
و تضعف الدولة بسبب الفساد فينحدر الأداء المؤسسي العام، كما تتسع الفجوات الطبقية بشكل لا يمكن حدوثه بشكل طبيعي في بيئة خالية كن الفساد.
و يتسبب الفساد بشكل مباشر في تفشي البطالة و الفقر و انهيار الخدمات العامة خاصة في القطاع العام.
و لما كان الفساد بهذه الخطورة و السمية العالية نجد أن الدول بمختلف أديان شعوبها و مشاربها الفكرية و الاجتماعية تنشئ هيئات رقابية و تضع قوانين صارمة و قوية و تنضم لتحالفات دولية من أجل محاربة الفساد.


كيف يدمر الفساد الدول؟
الفساد يسري كالسم ببطء في جسد الدولة، و ينهش مفاصلها، بهدر المال العام و قدرة الإنفاق الحكومي على الانعكاس على الخدمات، و يعطل المشاريع القومية.
أما سياسيا، فيدمر الفساد الدولة من خلال نشوء طبقة خطرة من الطفيليين، لا تسمح بتداول السلطة و الثروة مع غيرها و تبعد الكفاءات عن الخدمة العامة.
أما في الجانب الاجتماعي فيسبب الفساد شيوع الظلم و اعتباره أمرا ليس بالجرم أو الخطأ، كما تتعمق الطبقية، و يكثر من يشعرون بعدم الانتماء للوطن.
علينا أن لا ننسى أن كثرة الفساد تجعل المجتمع مطبوعا على الغش و المحسوبية و الرشوة و أكل المال العام، حتى تصير هذه الجرائم ثقافة عامة و أمرا طبيعيا لا يجد الاستنكار و التجريم.
خلاصته أن الشعوب الحريصة على دولها من الانهيار و التفكك تعمل دائما مع حكوماتها الرشيدة على اتخاذ السبل الإدارية و القانونية الكافية لمنع الفساد و اجتثاث جذورة.
و من سبل مكافحة الفساد تشديد العقوبات إلى القصوى منها على الفاسدين، و كذاك تشديد الرقابة على الأداء العام و المال العام، مع وجود مؤسسات رقابية مستقلة، و حوسبة العمل العام و صيانته باللوائح الكافية لتضييق فرص الاختلاس و تلقي الرشى و غيرها.
و تكون مكافحة الفساد وفق آليات ناجعة و مجربة من ضمنها عدم التهاون في إيقاع العقوبات في قضايا الفساد، و نشر تفاصيل هءه الجرائم على الملأ حتى يعلم الجميع عواقب الفعل.
إن الدول عدوها الفساد، و لهذا فإن الشعوب الحية و تلك التي تريد الحياة لا تسمح للفساد بأن يدمر حاضرها و مستقبلها.