أسبالتا

فخر النجاح ومرارة الإحباط من منظور نفسي، نتائج امتحانات الشهادة السودانية

بقلم : د. أبي عادل القاسم.

تمثل نتائج الامتحانات لا سيما في مرحلة الثانوية العامة نقطة فاصلة في حياة كثير من الطلاب و الأسر على حد سواء، فهي تعد بمثابة تقييم نهائي لجهود سنوات من الدراسة و التضحيات بل و تحمل في أحيان كثيرة أكثر مما تحتمل من أبعاد اجتماعية و نفسية.

في هذا السياق تتباين المشاعر بين من ذاق حلاوة النجاح و من واجه مرارة الإحباط و الرسوب، مما يستوجب تناول هذا الموضوع من منظور نفسي يعزز الفهم السليم لهذه المرحلة الحساسة و يسهم في تقديم الدعم المناسب للطلاب والأسر على السواء.

النجاح
النجاح و الفشل حدثان يمكن إدارتهما بوعي و حكمة

فخر النجاح وأثره النفسي

النجاح الدراسي خاصة في مرحلة حاسمة مثل الثانوية العامة يعد مصدراً قوياً للشعور بالفخر و الاعتزاز و تحقيق الذات، فعندما يحصل الطالب على نتائج مرضية يشعر بقيمة جهده و ثمار تعبه، مما يعزز ثقته بنفسه و يشعره بالكفاءة و القدرة على الإنجاز.

يفسر علم النفس هذا الشعور تحت مظلة “الكفاءة الذاتية” و هي إحساس الفرد بقدرته على التحكم في مجريات حياته و تحقيق أهدافه.

هذه المشاعر الإيجابية لا تتوقف عند الطالب فحسب، بل تمتد لتشمل أسرته أيضاً فالأهل يشعرون بأن تضحياتهم لم تذهب سدى، و يملؤهم الفخر بأبنائهم، كما يعزز النجاح العلاقة بين الطالب و أسرته و يقوي مشاعر الدعم والانتماء.

لكن رغم الإيجابيات يجدر التنبيه إلى ضرورة تجنب الغرور أو ربط قيمة الفرد فقط بتحصيله الدراسي، فالفرد أكبر من درجاته و النجاح الحقيقي هو بناء شخصية متوازنة قادرة على مواصلة التعلم و التطور في مختلف جوانب الحياة لا أن تعلق على ورقة نتائج مؤقتة.

النجاح
الفشل يمكن أن يتحول إلى طريقة لكسب النجاح

مرارة الإحباط و أبعاده النفسية

على الجانب الآخر فإن انخفاض النتائج أو الإخفاق في تحقيق التوقعات يمكن أن يشكل صدمة نفسية لدى بعض الطلاب خاصة إذا ارتبط الأمر بآمال عالية و توقعات مجتمعية مشبعة بالضغوط، في هذه الحالة يشعر الطالب بالإحباط و ربما بالعار أو الفشل ما قد يؤدي إلى تدني في تقدير الذات أو حتى أعراض اكتئابية مؤقتة.

من منظور علم النفس فإن مشاعر الفشل لا ترتبط بالنتيجة ذاتها بقدر ما ترتبط بطريقة تفسير الطالب لهذه النتيجة، فالبعض يرى الإخفاق كدليل على عدم الكفاءة بينما قد يراه آخرون فرصة للتعلم وتحسين الأداء، لذلك تلعب طريقة التفكير دوراً حاسماً في تشكيل التجربة النفسية للنتائج،
كما أن للأسرة دور مهم في تحديد الأثر النفسي للنتائج.

حين يقابل الإخفاق باللوم أو المقارنة أو الإحباط يتفاقم الشعور بالفشل، أما إذا قابله الأهل بالاحتواء و الدعم و التوجيه فإن الأثر السلبي يقل و يتحول الموقف إلى فرصة للنمو الشخصي و تطوير مهارات التكيف.

موازنة التوقعات و إدارة الضغط

من المهم أن يدرك الطلاب و الأهالي أن النتائج ليست نهاية الطريق و إنما هي مجرد مرحلة ضمن مسار طويل، يجب أن يعاد النظر في ثقافة المبالغة في تقديس الشهادات التي قد تجعل من النجاح عبئاً و من الفشل مأساة،
المطلوب هو تحقيق توازن بين الطموح و الواقعية و بين الدعم و التوجيه دون ممارسة الضغط النفسي المفرط، كما على الأهل أيضاً أن يظهروا اهتمامهم بأبنائهم كأشخاص لا كمجرد نتائج أو درجات، و أن يقدموا الحب و الدعم بغض النظر عن النتيجة،
أما بالنسبة إلى الطالب فعليه أن يؤمن بأن النجاح ليس سطراً في شهادة بل هو استمرار في المحاولة و التعلم من التجارب و القدرة على النهوض بعد العثرات.

يجب أن يتعلم الطالب فن التقييم الذاتي البناء و من الضروري أن يتجنب جلد الذات و يركز على خطواته القادمة بدلاً من التوقف عند نقطة معينة.

خطوات عملية لدعم الصحة النفسية بعد النتائج

التفريغ النفسي: يجب تشجيع الطلاب على التعبير عن مشاعرهم بصدق سواء كانت فرحا أو خيبة دون إصدار أحكام عليهم.

إعادة التقييم: إذا لم تكن النتيجة مرضية فيجب تحليل الأسباب بهدوء و موضوعية، بعيداً عن التهويل أو التبرير المفرط.

وضع خطة مستقبلية: من المهم تحديد الخطوة التالية بواقعية سواء كانت إعادة المحاولة أو تغيير المسار الأكاديمي أو دخول مجال مهني مناسب.

طلب الدعم عند الحاجة: إذا ظهرت علامات القلق أو الاكتئاب فمن الضروري اللجوء إلى مختص نفسي لتقديم الدعم المناسب في الوقت المناسب.

الاحتفال بالجهد لا بالنتيجة فقط: من الجيد أن يتعلم الطالب تقدير جهده بغض النظر عن النتيجة فالتفاني و المثابرة قيم تستحق الاحتفاء دائماً.

خاتمة
النجاح جميل و مصدر فخر و الإخفاق مؤلم و محبط و لكن الأهم من النتيجة هو الوعي بكيفية التعامل معها نفسياً.

النتائج ليست مقياساً لقيمة الشخص بل محطة من محطات الحياة نتعلم منها و ننمو من خلالها و بفهم أعمق للجوانب النفسية المرتبطة بالنجاح و الإحباط يمكننا أن نهيئ أبناءنا لمستقبل أكثر توازناً و نمنحهم الأدوات الحقيقية التي تعينهم على مواجهة الحياة بثقة و قوة و مرونة.

د. أبي عادل القاسم الجاك
اختصاصي ومعالج نفسي
رقم العيادة الأونلاين واتساب
249116071234+

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.