بقلم: رشا المرضي.
عند وقوع الحروب أو الكوارث الكبرى مثل المجاعات و الزلازل لا ينجو الجميع؛ فهناك من يلقى حتفه، و هناك من يهاجر عن أرضه و يلجأ إلى أرض أخرى، وهناك من ينجو و يجد أنه مازال على قيد الحياة بينما سقط من حوله الأحبة واحدا تلو الآخر، أو سمع روايات عن لحظاتهم الأخيرة.
ليست النجاة دائما نهاية المأساة! فبالنسبة للبعض قد تكون بدايتها لأن هؤلاء الذين كتبت لهم الحياة يعيش كثير منهم في صراع داخلي عميق يعرف بـعقدة الناجي، و هي حالة نفسية معقدة يشعر فيها الإنسان بالذنب لأنه نجا بينما لم يفعل الآخرون، أو لم يستطيعوا النجاة!.
يبدأ الناجي في طرح أسئلة مؤلمة من قبيل لماذا أنا ؟ ، كيف أواصل حياتي ؟، و يتناول الطعام و الشراب بينما جزء من أهله و أصدقائه قد فقدوا أجزاء منهم أو توفوا، وآخرون نزحوا، و البعض لم يعرف مصيره بعد.
هذه الأسئلة لا تتوقف، بل و تتحول مع الوقت إلى شعور ثقيل بالذنب يرافقه أحيانا اضطراب ما بعد الصدمة؛ فتتجدد الذكريات و يصاب الشخص بالكوابيس و الغضب و مشاعر العجز و الخوف و قد يظهر أيضا فقدان الرغبة في الحياة و مشاكل في النوم و صداع مستمر وعزلة اجتماعية، و أحيانًا تصل الحالة إلى التفكير في الانتحار!.
الكوارث الكبرى تسبب عقدة الناجي
عقدة الناجي لا ترتبط دائما بخسارة الأحبة فقط، بل أحيانا يكونون أحياء يرزقون، لكنهم يعيشون وسط أهوال الحرب و يختبرون مأساة النزوح، فيشعر الناجي بأنه خذلهم و أنه ابتعد في اللحظة التي كانوا فيها في حاجة إليه، أو هذا في فكره و تتحول النجاة إلى مأساة أخرى يغلفها الإحساس بالخذلان و الخيانة.
من المهم أن يدرك الناجون أن نجاتهم ليست خطأ، بل واقع فرضته الظروف، و ليس عليهم أن يحملوا وزرها، و يكون
الدعم النفسي ضروري في هذه الحالات سواء عبر مختصين أو من خلال مجموعات دعم تشارك نفس التجربة، كما أن المشاركة في أي جهد إنساني كالتوعية أو إيصال صوت الضحايا أو مساندة القضية، و يمكن أن تتم مساعدة الناجي في إعادة صياغة علاقته بما حدث و منحه دورا إيجابيا يعزز التوازن النفسي لديه.
عقدة الناجي ليست علامة ضعف بل دليل على عمق التجربة الإنسانية، و الذين نجوا من أهوال الحروب سواء هربوا منها أو عاشوها لحظة بلحظة و هم شهود على الحقيقة، ذاكرتهم ومشاعرهم حقيقية.
النجاة لا تعني النسيان، لكنها أيضًا لا يجب أن تعني العذاب الأبدي.