أسبالتا

التعليم الذاتي فرصتنا لنكون ما نريد

لمّا كان الحصولُ على عمل يوفِّر متطلبات الشخص الحياتية بات  أمراً صعباً في ظل شِدة التنافس على الوظائف و قلة المعروض منها في بعض الدول، كان التعليمُ الذاتيُّ اتجاها جيدا في نظر الكثيرين لاكتساب المعرفة و المهارات خارج نطاق التعليم النظامي المتمثل في الجامعات و المدارس و المعاهد.

كما أن الفراغ عند البعض يُعَدُّ من دواعي القلق، و سببا في الشعور بضياع الوقت، و هو أثمن ما لدينا في الحياة، و لهذا فإن التعليم الذاتي يغذي أوقاتنا و حياتنا بكل ما هو مفيد و جدير بإنفاق الوقت.

بالطبع لا يمكن أن يكون التعليم الذاتي بديلا عن التعليم النظامي، و لا يُوفِّرُ تأهيلا يوازي ما تقدمه المؤسسات التعليمية، أو ذلك الذي توفره المعاهد و الدورات، إلَّا أن التعليم الذاتيَّ اكتسب أهميته من توفر مصادر تلقيه، و سهولة التعامل مع وسائلة، كما أنه يوفر تجربة ذاتية تعضدها الرغبة الصادقة من جانب طالب العلم، و الذي يُقبل على تعلم فرع من العلوم و المهارات.

يعتمد التعليم الذاتي على إقبال الشخص على مصادر غير تقليدية و غير نظامية لرفع مستوى معرفته و مهاراته في حقل محدد يختاره من حقول التعليم و التدريب.

يستخدم الطالب من خلال عملية التعليم الذاتي مصادر مقروءة أو مسموعة أو مشاهدة، كما أن أبرز ما يميز عملية التعليم الذاتي عدم وجود المعلِّم أو المدرب، حيث يعتمد المتلقي على ذاته في عملية التلقي و التطبيق، و هذا ما يُفسِّرُ ازدهار عمليات تداول المواد التعليمية عبر الإنترنت، سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مشاهدة على شكل مقاطع مصورة.

الإنترنت حجر الزاوية في عملية التعلم

ما كان للتعليم الذاتي الحصول على هذه الاهمية لولا وجود الإنترنت الذي يعتبر المسرح المكاني لعمليات التعلم، فمع انتشار الهواتف المحمولة المتصلة بالإنترنت، و وجود أعداد مهولة من التطبيقات و المنصات المصممة خاصة للتعليم، بات الأمر أقرب لرغبات الناس في تلقي المعارف و تنمية المهارات، و مما زاد الأمر إثارة و بريقا إمكانية اختيار الشخص للمجال الذي رغب في تلقي علومه، و الوقت الذي يريد تلقي العلوم فيه، لقد أصبح الأمر أكثر جاذبية مع التطور الحادث.

بالطبع لا يمكن الاستغناء عن التعليم النظامي لصالح التعليم الذاتي، غير أن التعليم الذاتي ترتفع درجة أهميته في بعض الحالات، خاصة في تلك الحالات التي لا يتمكن فيها الطالب من تلقي التعليم النظامي بالشكل التقليلدي، فالأفضل دائما أن يتلقى الناس العلم بدلا من الرضوخ لصعوبة التعليم النظامي في مجتمعاتهم.

تحسب القراءة ضمن وسائل التعليم الذاتي المهمة، حيث تقدم المواد المكتوبة، سواء كانت ورقية أم إلكترونية مادة تعليمية لا غنى عنها للكثيرين من الطلاب في هذا المجال، و يتم تداول الكتب و المقالات العلمية على نحو واسع بين طلاب التعليم الذاتي و مزوديهم بالخدمة سواء كانت مؤسسات أو معلمين و مدربين.

تعكف “سنَّاش” و هي شابة إثيوبية على تلقي المعلومات من خلال منصة مقاطع فيديو مشهورة على الإنترنت، تقول إن المقاطع تقدم شروحات ضافية و واضحة لواحد من أكثر تطبيقات برامج هندسة الصوت أهمية في العالم، تقول “سنَّاش” عن تجربتها: ” إنني أشعرُ بأنني أتعلمُ بسرعة، هم يُقدِّمون المعلومة و المثال العملي في آنٍ واحد، أستطيعُ رؤية كلِ ذلك من خلال الشاشة، بل أستطيعُ إعادة المشاهد التي تحتوي خطوات متعددة حتى أتمكن من ترتيبها في ذهني أو كتابتها”.

تبرهن تجربة الإثيوبية “سنَّاش” على أن المشاهدة هي الوسيلة الأكثر تفضيلا في عالم التعليم الذاتي، خاصة في مجال العلوم و المهارات المعقدة و تلك التي تحتاج للأمثلة العملية، و هي واحدة بلا شك من ملايين التجارب التي أثمرت تفوقا و نجاحا على مستوى العالم.

يقول المهندس السوداني عبد الله محمد علي إن هناك الملايين من صنّاع المحتوى يعملون على مدار الساعة على توفير محتوى تعليمي جاذب و وافٍ من خلال المنصات المجانية أو المدفوعة، وفي كل الأحوال لا بد أن يجد الطالب ما يريد، بل و يجد ضالته بخيارات تتكاثر يوميا وبلغات متعددة كذلك.

في ظروف تعلم أخرى تكون المادة الصوتية وسيلة فعّالة من وسائل التعليم الذاتي، حيث تتميز بتمكين المتلقي المتعلم من التركيز على نحو جيد عند استخدامه لحاسة السمع، إلا أنها لا تكون فعَّالة عندما يتعلق الأمر بتلقي معلومات ذات طبيعة معقدة أو يحتاج فهمها و هضمها لأمثلة و إشارات مرئية، ومع ذلك تكتسب الكتب و المراجع الصوتية المطروحة على شبكة الإنترنت أهميتها من واقع سعي أعداد كبيرة من الطلاب للحصول على ما تقدمه من مادة علمية.

في أغلب الأحوال يكون متاحاٍ لطالب العلم إمكانية تطبيق ما يتحصل عليه الطالب من معرفة سواء كان ذلك من خلال التطبيق المباشر داخل منصة التعلم أو على تطبيقات مُثبَّتةٍ على أجهزة خارجية.

و من أبرز مزايا التعليم الذاتي توفر فرصة إقامة علاقات يتم من خلالها تبادل المعلومات و الخبرات المتحصلة مع طلاب آخرين، و الانضمام لمجموعات من الطلاب متبايني المستويات؛ مما يتيح الفرصة الكافية لتبادل المعلومات و اكتساب روح التنافس و التشجيع على مواصلة التعلم و التفوق، حيث ينظر للمجتمع ذي الاهتمامات المتقاربة على أنه أوفر المجتمعات حظا في التبادل المعرفي و التطور.

وسائل متعددة

يتحصل الطالب في مجال التعليم الذاتي على المعلومات عن طريق عدة وسائل سهلة الوصول و سلسة التعامل و وافرة العطاء؛ مثل البرامج التعليمية، و مقاطع الفيديو، و مواقع الويب المخصصة للتعليم عن بعد، و الكتب، و المقالات، و المجلات، و وسائل الإعلام الجماهيرية، كالراديو و التلفاز.

لكي تثمر جهود الطالب عليه أن يحرص على استمراريته في تلقي العلوم و تطبيقها أولا بأول، مع الحرص الدائم على عدم إضاعة فرصة اكتساب كل جديد، كما يجب عليه تنمية ثقته بنفسه و ذلك هو مفتاح النجاح في هذا المضمار، إذ يعتمد الطالب على نفسه في كامل عملية التعلم دون وجود معلم.

و يتوجب على ممارس التعليم الذاتي إجراء التقييمات على مستواه في أقسام المجال الذي يدرسه، و التعرف على نقاط الضعف و تقويتها حتى يحصد الفائدة كاملة غير منقوصة.

حتى يحصل الطالب على عملية تعليمية فعّالة و ذات جدوى عليه أن يضع لنفسه جدولا زمنيا ذا سقف معلوم، وبذلك يتغلب على الكسل، كما يتفادى فقدان الشغف الناتج عن طول مدة غيابة عن ممارسة التعلم، كما يتوجب عليه ممارسة البحث على الإنترنت لكونه يحتوي على مواقع تحمل كما هائلا من المعلومات المحدثة و بلغات متعددة و خيارات بحث كثيرة، إلا أن التعامل مع المعلومات المبذولة على شبكة الإنترنت يتطلب من الباحث الحذر و الاهتمام بالتأكد من موثوقيتها كمرجع علمي.

أخيراً يمثل التواصل مع الآخرين في ذات المجال فرصة مهمة لاكتساب المعارف و دعم الآخرين، و التنافس في تقديم الأفكار و الآراء الجديدة المبنية على التجربة الشخصية أو الاطلاع، فقد تتاح لأحدنا دون الآخرين فرصة تعلم مثالية في قسم و تتاح لآخرين فرص في تعلم مهارات وعلوم في أقسام أخرى، وهنا تكمن أهميةُ التواصل مع الآخرين الذين نبادلهم المعارف و نضيف لتجربتهم و يضيفون لمعلوماتنا ما لم نُحِط به.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.