منذ رسالة ماركوني الأولى في عام 1896 و الراديو يحتل مكانة بارزة في عالم الاتصال الجماهيري، ليس لأنه أسبق وسائل الإعلام في الظهور فقد سبقته الصحافة الورقية، و لكن لخصائصه الفريدة التي تمتع بها.
لقد لعب الراديو دورا لم يُدانيه فيه جهاز آخر في تاريخ البشرية منذ اختراعه و حتى الآن، من خلال إسهامه منقطع النظير في حياة المجتمعات إخبارا و تعليما و تثقيفا و توعية و إرشادا.
و في وقت الحروب الكارثية كانت للراديو أدوار فاعلة في التعبئة و الحشد و الدعاية الحربية و السياسية، مثلما كان له الدور في التوجيه و الإنذار، و المساعدة على تكوين الآراء و المحافظة على الثقافات و دعم التثاقف على مستوى العالم.
بالرغم من التحول الكبير الذي طرأ على سلوك التلقي الإعلامي لدى الجمهور منذ تسعينات القرن الماضي إلا أن جهاز الراديو ظل متمسكا بموقع الريادة و الصدارة لقدرته على مخاطبة كل البقاع خاصة أكثرها بعدا عن المراكز الحضرية و الخدمات التي تتركز في المدن في أغلب البلدان التي تعاني التنمية غير المتوازنة.
لقد شاهدنا في أكثر من مناسبة توزيع الأمم المتحدة لأجهزة الراديو التي تعمل بالطاقة الشمسية أو بكرات توليد طاقة التشغيل اليدوية على السكان المحليين في المناطق النائية، و أنشأت لخدمتهم محطات الإرسال الإذاعي التي تعنى ببث برامج ذات محتوى تعليمي و تنموي و إرشادي باللغات المحلية.
اعترافا بهذا الدور الفعال للإذاعة اختارت الدول العضوة في ال “يونسكو” عام 2011 يوم الثالث عشر من فبراير ليكون يوما عالميا للراديو، و هو التاريخ الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام التالي 2012، و منذ ذلك التاريخ و يتم الاحتفال باليوم العالمي للراديو ضمن مشروع من المشروعات التي يمثل الراديو حجر زاوية فيها.
الراديو و قضايا المناخ
في هذا العام يتم الاحتفال في إطار المناخ، و قد شكلت قضايا المناخ الهم الأكبر للبشرية من واقع الخطر العام المحدق بسكان الكوكب و الذي يتطلب استشعارا للمسؤولية مثلما يتطلب مستوى من المشاركة لا يستثني أحدا.

في العام تضرر الناس في أفريقيا و أمريكا الجنوبية و آسيا من كوارث بيئية متطرفة تسببت في موت الكثيرين و أفقدت آخرين سبل العيش و المسكن و البنيات الخدمية.
يلاقي مشروع المنظمة الدولية للأرصاد الجوية الموسوم ب “الإنذار المبكر للجميع” تفاعلا كبيرا على مستوى العالم؛ نسبة لقدرة مثل هذه النشاطات على الحد من الخسائر التي تنجم عن الفيضانات المفاجئة و موجات الحر و الجفاف و غيرها من الظواهر التي أنتجها الاحتباس الحراري.
يقول الصحفي السوداني المقيم بكمبالا و المختص في المناخ نزار عبد الله بشير إن من شأن الإذاعة الإسهام بفاعلية و بشكل مؤثر ناجع في نشاطات الإنذار المبكر؛ لجهة قدرتها على الوصول إلى أكثر المجتمعات بعدا من حيث الجغرافيا، و أكثر المجتمعات تخلفا عن ركب الحضارة، مشيرا إلى أن اختيار الاحتفال هذا العام في إطار المناخ هو تحول ذكي للتنبيه بقدرة هذا الجهاز الفعالة و الساحرة على تبني قضايا المناخ و الإنذار المبكر على وجه التخصيص.
أما الصحفي الإذاعي أبوبكر دفع الله السماني فيشير إلى أن البشرية ستجني نتائج سريعة عندما تكثف المراكز و الوكالات المعنية بقضايا المناخ نشرها لهموم التغير المناخي عبر جهاز الراديو، و يرى أن الإنذار المبكر عن طريق الراديو أمر عملي و مهم لتجنيب المواطنين في الأرياف مخاطر جمة ستصيبهم لو أنهم لم يتلقوا إشارات بالإنذار في وقت يمكنهم من وضع التدابير الاحترازية.

أنظمة الإنذار المبكر يكتمل دورها بوجود الراديو
يقول الصحفي المختص بالمناخ نزار عبد الله إن أفريقيا تمتلك أنظمة إنذار مبكر إقليمية و محلية، و تبذل فيها مجهودات مشتركة مثل مركز “إيكباك” التابع للمنظمة الحكومية لتنمية شرق و وسط أفريقيا “إيغاد”، كما أن دولا عديدة في إقليم شرق آسيا و جنوب أمريكا تتشارك الجهود من أجل تقديم تقارير مبكرة عن حالات محتملة لتطرف الظواهر الطبيعية، و لكن تبقى هذه الجهود و جهود أخرى تقوم بها الهيئات الوطنية للأرصاد محدودة الفعالية مالم يتم الارتكاز على الإعلام في نشرها و تعميمها في الوقت المناسب، و هنا يكون الراديو في المقدمة لآنيته و اتساع انتشاره، و خدمته لقطاعات أوسع.
يظل المناخ و قضاياه من أكبر هموم القانطين في الكوكب، باعتبار أن الخطر يهدد الجميع بلا استثناء، و باعتبار أن المشاركة الكلية في خطط التعافي تسرع من عملية الابتعاد عن الخطر الداهم.