بقلم: حيدر بركة.
بعد مشاهدة ومتابعة الكثير من مقاطع الفيديو التي تحمل إفادات الناجين من مخيم زمزم يمكن أن تخرج بهذه الخلاصة.
تخيل هذا، أحد الناجين التقى بك و بدأ يحكي لك، هيا بنا إلى التفاصيل.
يا أخي، ما كنا نتوقع يحصل فينا هذا الشيء و الدموع تسيل من عينيه و يقوم بمسحها بكفه.
كنا قاعدين في حالنا في مخيم زمزم، في أمان الله بعد أن هربنا من سنين طويلة من القتل و الدمار و تركنا الديار و حاولنا نعيش حياتنا، كانت الأمور عادية رغم الحصار و ارتفاع الأسعار، لكن ماكلين و شاربين.
فجأة ! لقينا الدعم السريع حوالينا زي الوحوش، قصفوا المخيم بالأسلحة المتنوعة و المدافع، و بعدين دخلوا علينا و هم يصيحوا و يهتفوا كلام ما بيتقال.
قتلوا ناس قدام عيني، (يتوقف عن الحديث العبرة تخنقه) ناس كانوا جيراننا وأصحابنا.
(الدموع تنزل بغزارة) كانوا يدخلوا البيوت و يقتلوا اللي فيه، ما فرق معاهم كبير و لا صغير بنت أم ولد المهم عندهم إنك تموت سمعتهم بأذني وهم يغنوا أغاني كلها كراهية وعنصرية، كأنهم فرحانين باللي بيعملوه.
أنا هربت بروحي، ما قدرت آخد معاي أي شي، شفت ناس كتير ماتوا في الطريق، في ناس دفناهم و ناس خليناهم يدفنوهم الناس الجايين، نحنا تعبنا و بقينا نجري ما عارفين وين نمشي من القذائف ومن الرصاص.
القصة لم تنته معاناة الطريق صحبة لكنه لم يعد لديه القدرة على مزيد من السرد.

هيا ننتقل إلى شخصية أخرى،
طفلة لم تبلغ الخامسة عشر و الدموع حفرت خطين بلون واضح لا تُخطئه العين السلام عليكم الحاصل شنو احكي لينا.
قبل أحكي ليك أديني موية أو أي حاجة اكل منها، بعد أن تنفست الصعداء،
جلست و قالت الزول القدر يمشي، مشى و الماقادر خليناه ورا، إذا في كارو حمار جاي يشوفو ليهم مكان الناس ماشة ما عارفين ماشين وين.
في الطريق عرفنا في ناس ماشين للفاشر وناس طويلة و الناس تعبانة و خايفة و جيعانه.
لما وصلنا طويلة، شفنا الناس التانيين اللي هربوا زينا كُتار ما تقدر تعدهم، كانوا جيعانين و عطشانين، و منهم كتير مضروبين، شفت شفع بيموتوا من العطش بعد يومين كاملين تحت الشمس و ما شربوا و لا نقطة موية.
إفادات الناجين من مخيم زمزم تدمي القلب و تصف المأساة
إحدى الحبوبات تجلس ساندة ظهرها على عجلة الكارو و تحكي: بعد أن أخذت نفسا عميقا، هاااااي يا وليدي نقول شنو ونخلي شنو، أخدوا مننا كل حاجة، ما خلوا لينا غير ملابسنا دي (وهي تمسك بطرف الثوب لمزيد من الوصف) و حتى شباب كتير كتلوهم. والبنات في منهم رجعوهم قالوا ما يمرقوا ما عارفين الحاصل عليهم شنو يا ولدي، الوضع صعب كتير، اللي لسه في المعسكر خايفين، بيقولوا الدعم السريع ماسكين ناس عشان الجيش ما يقدر يضرب، وبيوقفوا الناس في الشارع و يختاروا منو يمشي ومنو يقعد على حسب لونك وقبيلتك.
مافي زول بيقدر يقوليك يا ولدي عدد كام واحد مات ولا اتجرح ديل ناس كتاااار.
شاب اخر خرج باعجوبة ويحكي قائلاً: أنا واحد من الناس قدروا يوصلوا الحمد لله، بس قلبي لسه هناك مع الغلبانين الناس ما قدرت تتطلع، اللي شفناه في زمزم ما بتحكي و لا بيتنسي، دي مصيبة كبيرة، حاجة ما شفناها في حياتنا ولا في الافلام. أصوات الرصاص والقذائف لسه في اضاني، وصريخ الناس بتموت قدام عيني لسه ما راح. الواحد ما عارف يقول شنو نقول حسبي الله ونعم الوكيل.
ما شاهده العالم جزء من المأساة، أما الجزء الأكبر منها فلم تنقله كاميرا المراسلين، و لم تشهده أعين الناس، فقط طواه الناجون في قلوبهم المفجوعة و ساروا به إلى حيث رمتهم الأقدار، فهم من نزوح إلى آخر يرحلون.
هؤلاء أخوة الفجيعة، تجمعهم الذكريات و الحاضر المرير، و المصير المشترك، في عالم ينام بثقله على جراح معاناة الضعفاء، لا يسمع أنين الثكالى، و لا تروعه مشاهد الدماء، ما دام ذلك لا يصيب طرفا منه.
أخيراً
يجب أن نكون صوتاً للضحايا ولمن لا صوت لهم.
