الزراعة في السودان معترك يحتوي ثقافة واسعة
مبكرا في نهايات سبتمبر من كل عام يبدأ المزراعون في نواحي القضارف في شرق السودان جمع محاصيلهم في نهايات الموسم الزراعي المطري، الذي يبدأ في تلك النواحي بالرشاش الذي يسبق السابع من يوليو الموعد المتعارف عليه لبداية الزراعة، التي تبدأ في ولايات سودانية أخرى مبكرا جدا كولايتي جنوب كردفان و النيل الأزرق، و تبرز خلال الرحلة من يوليو إلى سبتمبر مفردات كثيرة من قاموس الزراعة في السودان أبرزها أب درق و الوشاش و غيرها من أسماء الثعابين.
مع بواكير موسم الأمطار تبدأ الثعابين بأنواعها المختلفة مغادرة شقوق الأرض الطينية الصلبة لتسلق الأماكن العالية و من بينها الأشجار، حيث ستعمل الأمطار لاحقا على إغراق هذه الشقوق و قفلها تماما، و هي رحلة موسمية لا يلحظها الناس، إلا أن سكان تلك البقاع يعلمون بها.
هذا لا يعني أن الثعابين لا يمكن مشاهدتها على سطح الأرض خلال موسم الخريف، فهذه الكائنات يمكن أن تتخذ من النباتات الكثيفة مكانا للاختباء، إلا أن فترة الحصاد هي أكثر الفترات التي تشهد صدامات بين المزارعين و الثعابين في المناطق الزراعية المختلفة.
الأمر الذي يعلمه المزراعون أن حلَّال السمسم و هي مجاميع حزم السمسم المقطوعة و المربوطة – المفرد منها كليقة و الأربع منها تكل – هذه الحلال تعد مخبأ مناسبا للثعابين لاحتوائها على الرطوبة التي تفضلها تلك الزواحف، و لذلك يأخذ الشخص حذره عند العودة ل “لحت السمسم” و هي عملية إفراغ السمسم من ثماره الجافة إكمالا لعملية الحصاد، و العديدون يقبضون على الثعابين فتصيبهم.
قاموس الزراعة في السودان يحتوي على العديد من أسماء الثعابين
يعد “الوشاش” من أشهر أنواع الثعابين في السودان، و أكثرها انتشارا في بيئات القضارف، و اكتسب اسمه الشعبي و سمعته من كونه يحك جلده ببعضه البعض فيصدر صوتا واضحا و مسموعا عندما يشعر بحركة بالقرب منه بمثابة التحذير و الإنذار، و تتداخل خلال هذه العملية تشكيلات ظهره السوداء و البنية بحيث يصعب على الإنسان معرفة أين يخبئ الثعبان رأسه رأسه، و ذلك بالطبع عندما لا يكون الشخص في المدى القاتل للثعبان، فإن كان قريبا فإنه سيصاب بسرعة البرق بلاشك باللدغة القاتلة.
“الوشاش” ينتشر في كل ولايات السودان باستثناء الشمالية التي توجد فيها أنواع أخرى عداه.
و من أسماء الثعابين المشهور “البُرل”، و هو أطولها و أسرعها، و لا يكاد يلامس الأرض عند تحركه بسرعته القصوى، و يتميز بظهوره خلال ساعات النهار على العكس من الكثير من أنواع الثعابين، و من صفاته أيضا مع الطول لونه البني مع التشكيلات البديعة على ظهره بتدرجات اللون البني، كما أنه يهتم كثيرا بصيد الفئران الكبيرة “الجقور” و الطيور، و بفضل سرعته يبادر بالهرب من الإنسان و لايميل إلى الأذى.
أما “النوامة” فهو أعرضها جسما، و أقصرها طولا، و مع ذلك فهو من الثعابين القاتلة التي يتعوذ المزارعون من مصادفتها أثناء عملهم في البلدات – المزارع الصغيرة – أو المشاريع الكبيرة، و سمي هذا النوع من الثعابين بهذا الاسم لكثرة نومه.

و أخطر تلك الثعابين هو “أب درق” و ذا اسمه المحلي الشعبي، و هو الثعبان المعروف عالميا بالكوبرا، حيث اكتسب هذا الاسم في السودان لوجود البروز الظاهر بالقرب من رأسه.
اكتسب هذا النوع من الثعابين احتراما في السودان لصفات يتمتع بها، فهو أشجعها على الإطلاق فلا يهرب و لا يتراجع، بل و في أحيان يطارد من يكون في محيطه، كما أنه يقف إلى مستوى عال من سطح الأرض عند دفاعه عن نفسه.
يذكر “اب درق” في العديد من الأمثال السودانية و الأغنيات الشعبية للتدليل على السمية العالية و الشجاعة الفائقة، كما أنه أخطر أنواع الثعابين، و كثيرا ما أعلن عن نفسه أمام السائرين فيتراجعون طلبا للسلامة من أنيابه، أو رشقات سمه الموجهة إلى عيونهم و التي قد يصل مداها إلى 3 أمتار.

الزراعة المطرية مرتبطة بكم هائل من المفردات و الصور و المشاهد، و هي بمقدار اتساعها تمثل ثقافة كاملة لا يعلم عنها الكثيرون شيئا، الجميع يعرفون عائدات المحاصيل الزراعية، و يتناولون زيت السمسم مع الفول، و يستمتعون بتناول ” حلاوة سمسمية”، و لايعلمون أن هذه المحصولات ينتجها كادحون في بيئات كثيرا ما تكون معادية للإنسان.