وكيل جامعة الجزيرة: هذا ما حدث و خسائر الجامعة تفوق ال 166 مليون دولار
في 19 ديسمبر 2023 استولت قوات الدعم السريع على عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، و استعاد الجيش السوداني السيطرة على المدينة في 11 يناير 2025، و على مدى سنة كاملة كانت المدينة نهبا لتبعات اللادولة، من تخريب للمرافق العامة و الخاصة و تدمير للبنيات.
تعد جامعة الجزيرة من أبرز الجامعات العربية و الأفريقية تأثيرا على المجتمع و الدولة و مسيرتها التنموية و الاجتماعية، حيث تم تأسيسها في العام 1975، و تخرج فيها حتى تاريخ كتابة المقال 41 دفعة.
للجامعة أذرع كثيرة داخل ولاية الجزيرة من خلال عدد من المجمعات مثل مجمع النشيشيبة في الجزء الشمالي من مدينة ود مدني و هو المجمع الذي يضم إدارة الجامعة بجانب عدد من الكليات، و مجمع الرازي الذي يضم الكليات الطبية و مجمع حنتوب و مجمع أبو حراز، بجانب كلية الدراسات التجارية في مدينة الهلالية، و كلية الآداب في مدينة الكاملين، و كلية التربية، في مدينة الحصاحيصا، و كلية الإنتاج الحيواني في مدينة المناقل، و كلية العلوم الصحية و البيئية في الحوش، و كلية الدراسات التنمويةفي الحديبة.
الدكتور ياسر هلال الهاشمي وكيل جامعة الجزيرة يشير إلى أن الامتداد الواسع لكليات الجامعة و مجمعاتها في مناطق مختلفة جعل من كل مجمع جامعة قائمة بذاتها، و يؤكد أن عدد طلاب الجامعة يفوق ال 29,000 طالب، بينما يعمل بالجامعة 4200 شخص بمن فيهم الأساتذة.
يقول الدكتور ياسر إن كل المجمعات و الكليات التابعة لجامعة الجزيرة تعرضت للتدمير و التخريب من قبل مليشيا الدعم السريع باستثناء مجمع الإنتاج الحيواني الكائن في المناقل، و كلية الدراسات التنموية في الحديبة.

طال النهب و التخريب الممنهج كل البنى التحتية الموجودة في الجامعة بما في ذلك تجهيزات الكهرباء و بنيات المياه و القاعات و المعامل و الورش و المزارع، يكشف وكيل الجامعة أن ما لم تقضي عليه عصابة الدعم السريع قضى عليه اللصوص.
تخريب المجمع الرئيس لجامعة الجزيرة في النشيشيبة
يصف الدكتور ياسر هلال ما حدث في المجمع الرئيس للجامعة بالنشيشيبة، و هو مجمع ضخم و نموذجي، بأنه تخريب شامل و تام، تمشهد في سرقة كافة الأجهزة الخاصة بالعمل من حواسيب و أثاثات و ملفات و أدوات مكتبية و كل معينات العمل.
أما الكليات المكونة للمجمع و هي كلية العلوم الزراعية و كلية هندسة و تكنولوجيا الصناعات و كلية الهندسة و التكنولوجيا و كليات الاقتصاد و التنمية الريفية و جميع قاعات هذه الكليات تعرضت للدمار الشديد، حيث تم نزع إجلاس الطلاب و سرقة أجهزة التكييف و المراوح و أجهزة الصوت و الملتميديا و كل الأثاثات خاصة في مكاتب الأساتذة.

تميز مجمع النشيشيبة بمجموعة معامل على مستوى عال من الكفاية العلمية، تحدث الدكتور ياسر هلال عن تدميرها و فقدان عدد من الأجهزة المهمة التي كانت تتواجد بها، مشيرا إلى أن الدمار طال حتى الأشجار حيث تم قطعها جميعا بما في ذلك الأشجار المعمرة التي عرف بها المجمع، و التي كانت بعضا من ملمحه الفريد!.
بحسب وكيل جامعة الجزيرة فإن السرقة لم يسلم منها جزء في المجمع بما في ذلك منازل الأساتذة و التي تم انتزاع أبوابها و نوافذها، و مبني الشؤون العلمية الذي تعرض لتهشيم الزجاج و سرقة المحتويات من أجهزة تكييف و أثاثات.

يضيف وكيل الجامعة بأن المزرعة التابعة للمجمع و هي مزرعة إيضاحية كبيرة تعرضت للأضرار البالغة، و تم نهب جميع الجرارات بها و الآليات الزراعية و الطلمبات، كما فقدت الجامعة قطيعا من الأبقار لا يقيم بثمن بحكم سلالاته المنتقاة.
يشير الدكتور ياسر إلى أن جامعة الجزيرة فقدت 172 سيارة تشمل 8 بصات كبيرة تستخدم لنقل الطلاب و العاملين و عدد كبير من الدراجات النارية التابعة للجامعة.
تدمير مجمع الرازي التابع لجامعة الجزيرة
يؤكد وكيل جامعة الجزيرة أن التخريب و حجم الدمار الذي حدث في مجمع الرازي الطبي التابع للجامعة و المعروف أيضا باسم ” الإعدادية” كان أكبر من الأذى الذي حدث لبنيات الجامعة في مجمع النشيشيبة.

سُرِقَ سقفُ قاعة المؤتمرات الدولية التي كانت تحتضن كل الفعاليات الخاصة بولاية الجزيرة و تسع لحوالى 360 شخص، كما تمت سرقة غرفة التحكم التي كانت تحتوي أجهزة الصوت و العرض “بروجكتر”، كما تم إتلاف المنصات و عدد من مقاعد المشاركين في الفعاليات، مع تهشيم كل زجاج القاعة.
أما مطبعة الجامعة فيشير الوكيل إلى سرقة سقفها و موتورات ماكينات الطباعة، و لم تسلم المكتبات حيث تمت سرقة سقف مكتبة كلية الطب، و مبنى الداتا المركزي الكائن بمجمع الرازي.

يواصل الدكتور هلال الحديث عمَّا أُحدث بجامعة الجزيرة من تدمير، حيث يكشف عن مدى ما حل بكلية العلوم الطبية و التطبيقية و -هي من أرفع كليات الطب في المنطقة- و التي تعرضت لإتلاف شديد في كل القاعات تمثل في نزرع و سرقة إجلاس الطلاب و الأبواب و النوافذ من معامل الكلية، مع التدمير الكامل لمحولات الكهرباء و المولد الخاص بالكلية.
و حدث ذات الأمر بكلية العلوم الرياضية و الحاسوب و كلية الصيدلة التي ذكر الوكيل أن المجرمين لم يتركوا فيها شيئا يمكن الحديث عنه!، إذ تعرض المرفق للتخريب بشكل كامل و شامل لكل المعامل و القاعات و المكاتب.
في مجمع الخدمات الصحية التابع لجامعة الجزيرة لم ينج سوى القليل، فقد تم نزرع الأسقف و أجهزة التخدير و العمليات و الأدوية التي كانت بالمجمع و معدات الجراحة و أجهزة المعامل التشخيصية.

خسائر جامعة الجزيرة في مجمعات أخرى
يقول وكيل جامعة الجزيرة بأسف ” فقدنا 12 محول كهربائي بشكل كامل و لا يمكن صيانتها، و لا يجدي إلا استبدالها”، كما فقدت الجامعة بالسرقة سقف معهد بحوث و تصنيع الحبوب الزيتية و كافة الموتورات الخاصة بخطوط الإنتاج في معاصر الزيوت الآلية، كما تعرض المبنى الرئيس للتهشيم و سرقة محتويات المعامل و القاعات.
لم يكتف اللصوص بما فعلوه حيث تعرضت كافة توصيلات المياه للتدمير بشكل كامل، كما تعرض مجمع العلوم الصحية و البيئية في الحوش لتدمير إجلاس الطلاب و المعامل و المحولات الكهربائية، و كذا هو الحال بمجمع الكاملين و مجمع الحصاحيصا و مجمع حنتوب الذي لم يسلم من آثار المعارك التي دارت في المنطقة.

و يحصي الوكيل خسائر الجامعة في معهد إسلام المعرفة المكون من مبنيين اثنين تم تدمير أحدهما بشكل تام، كما تعرضت منازل الأساتذة بالمجمع للدمار، فيما يذكر الوكيل بأنهم لم يستطيعوا تقييم الخسائر في مجمع أبو حراز نسبة لعدم تسلمه إلى الآن.
بحسب الدكتور ياسر هلال وكيل جامعة الجزيرة فإن التلفيات التي حدثت بالجامعة تقدر بحولى 166 مليون دولار أمريكي هي قيمة ما تم إتلافه و سرقته من مرافق الجامعة، عدا قيمة ما تم إتلافه و فقده في منازل الأساتذة بالمجمعات الجامعية المتعددة.

خطوات إعادة الإعمار في جامعة الجزيرة
يشير وكيل جامعة الجزيرة إلى أن أولى خطوات إدارة الجامعة و منذ دخول المتمردين إلى مدينة ود مدني هو انتقال الجامعة إلى مدينة كسلا شرق البلاد في يناير، حيث عملت الجامعة في مكتب صغير داخل مباني جامعة كسلا إلى حين التمكن من إيجار أحد المباني في المدينة.
و في مقرها المؤقت استطاعت الجامعة استرداد البيانات الخاصة بالعاملين و الطلاب و التي كانت محفوظة بشكل آمن ، و شرعت فورا في استخراج الشهادات لمواجهة الطلب الكبير عليها آنذاك من جانب أعداد كبيرة من الخريجين الذين كانوا يرغبون في السفر إلى الخارج.
شرعت الجامعة في تدريس الطلاب إسفيريا و عقدت عقب ذلك عدة امتحانات، بينما استؤنفت الدراسة بالنسبة لطلاب الدراسات العليا.
يقول الدكتور هلال إنه و خلال ال 16 شهرا التي كانت الجامعة خارج مقراتها قامت بتخريج عدد كبير من الطلاب على مستويي البكلاريوس و الدراسات العليا، و بمجرد تمام تحرير مدينة ود مدني زار السيد مدير الجامعة المدينة و وقف على حجم الأضرار التي لحقت بالمجمعات المختلفة.
و زار الدكتور هلال و السيد نائب مدير الجامعة و مدير الإدارة المالية المواقع المختلفة وقوفا على حجم الأضرار، حيث تم البدء في وضع الخطط الخاصة بإعادة الإعمار.
يُفصِّل السيد وكيل جامعة الجزيرة بأن أكبر التحديات هو العمل على إعادة البنية التحتية في مجال الكهرباء و المياه، و يكشف عن تزويد محطات المياه في مجمعات الجامعة المختلفة بأنظمة الطاقة الشمسية، و تنساب الآن المياه في كل المجمعات.
يؤكد الوكيل أن ما تم هو دون الطموح حيث تم تشغيل محطة واحدة من 3 محطات في كل مجمع و ذاك ما جعل المياه تنساب بصورة طيبة ريثما تتم صيانة بقية المحطات.
و تمت صيانة بعض المحولات و توزيع التوصيلات الداخلية و رفع نحو 16 من أعمدة الكهرباء المتضررة ليكتمل العمل في محور الكهرباء أيضا.
تعمل إدارة جامعة الجزيرة حاليا بشكل مؤقت في مبنى المكتبة المركزية، حيث تتم في الوقت الحالي عمليات صيانة مبنى إدارة الجامعة المكون من 4 طوابق اكتمل من صيانتها حوالى 70%، أما مبنى الشؤون العلمية فقد وصلت عمليات صيانته 95%.
يذكر الدكتور ياسر هلال وكيل جامعة الجزيرة أن العمل جرى في مجال البيئة الجامعية بشكل طيب خاصة في إعادة الميادين و التخلص من الحشائش التي نمت بكثافة.
بشرى من بين الخراب في جامعة الجزيرة
الدكتور ياسر هلال الهاشمي و كيل الجامعة بشر الطلاب بأن مختبرات محمد عبيد مبارك و التي تعتبر معملا مرجعيا كبيرا بمحتوياته و تجهيزاته النادرة و القيمة لم تطله يد التخريب عدا تعطيل الحواسيب الخاصة بالأجهزة و التي تعهدت الجهات المزودة بالأجهزة بتوفير السوفت وير “برامج التشغيل الحاسوبية” لها في القريب.
و بشَّر د. هلال باسترداد بعض المنهوبات بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، فيما تم استراداد نحو 16 سيارة فقط و هي في وضع غير صالح للعمل تماما “خردة”.
انطلقت امتحانات كليات الدراسات التنموية و الاقتصاد و العلوم الزراعية و التربية الحصاحيصا و الصيدلة و العلوم الطبية التطبيقية و القانون من داخل الجامعة في خطوة تبين الإصرار على مواصلة عطاء هذا الصرح العلمي العريق برغم ما حدث، و ذلك بفضل الله و تعاون الطلاب و الأساتذة و الحادبين على مصلحة الجامعة.
تتواصل الامتحانات عقب عطلة عيد الأضحى المبارك، كما ستتم مباشرة الدراسة حضوريا لكلية الاقتصاد و التنمية الريفية، و ذلك بعد أن تم تزويد مكاتب الامتحانات و التسجيل و مكاتب العمداء في الكليات المختلفة بأنظمة الطاقة الشمسية.
يشكو وكيل جامعة الجزيرة حجم الخراب الكبير، و يشير إلى صعوبة عملية إعادة الإعمار مع عدم استطاعة الجامعة وحدها مجابهة الأمر، مناشدا الجميع و خاصة المنظمات و خريجي الجامعة و الحادبين على مصلحتها و الدولة و كل الجهات الداعمة وقوفهم بجانبها لاستعادة المعامل و المرافق و القاعات.
يقول د. هلال : حجم الدمار كبير، و ينتظرنا من العمل الكثير.