ود مدني .. فرحة العائدين إلى الحياة

استعادة الجيش السوداني السيطرةَ على مدينة ود مدني السبت و هي كبرى مدن ولاية الجزيرة تمثل فصلا متقدما من فصول الحرب في السودان؛ و ذلك بعد أن كان سقوط المدينة في يد “الدعم السريع” قبل نحو عام كارثة بالمقاييس الاستراتيجية و العسكرية و الاقتصادية.
بإمكان الملايين اليوم العودة إلى منازلهم لبدء رحلة إعادة بناء ما فقدوا من سبل الحياة، و العودة من حيث كان النزوح بابا لمعاناة حقيقية عاشوها، عانوا خلالها ضيق العيش.


الصراع الذي بدأ في الخرطوم في منتصف أبريل 2023 كان امتداده نحو الجزيرة و عاصمتها ود مدني نكسة عانى منها السودانيون في كل نواحي البلاد، لجهة أن الولاية تضم سكانا يمثلون 12,8% من سكان البلاد بحسب إحصاءات عام 1993، و هي إحصاءات قديمة، غير أن المؤكد أن الولاية هي ثاني أكثر الولايات كثافة سكانية بعد الخرطوم.
5,8 مليون فدان هي مساحة الأراضي الزراعية في ولاية الجزيرة، و التي و إن لم تستثمر كلها فقد مثلت ركيزة قوية للأمن الغذائي في السودان على مدى العقود الطويلة الماضية، و مع تعطل عجلة الإنتاج في الولاية بعد استيلاء “الدعم السريع” عليها تفاقمت الأزمة الغذائية بالتزامن مع تعطل الإنتاج في مناطق أخرى من دارفور، رغما من مجهودات بذلتها الحكومة السودانية بمعاونة منظمات الأمم المتحدة لتعزيز إنتاج الغذاء في ولايات أخرى.
لقد فجر واقع الأمن الغذائي في السودان خلافا كبيرا بين الحكومة و منظمة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي حول تقييم الحالة الماثلة، و قد تعزز استعادة الحكومة لهذه المنطقة المهمة فرص استعادة قدر كبير من الأمن الغذائي إن تم توظيف القدرات بالمستوى الأكثر إفادة.
ود مدني قد تكون مفتاح التقدم نحو العاصمة
و مثلما كان انفتاح “الدعم السريع” على الجزيرة مفتاحا لتمدده في أراض أخرى من ولايات سنار و النيل الأبيض و تهديده لولايات شرق السودان، أصبح دخول الجيش السوداني عاصمة ولاية الجزيرة مفتاحا لإزالة تهديدات كانت كبيرة، و فتح طرق تمثل شرايين حياة لولايات مثل النيل الأزرق و سنار و النيل الأبيض و كل قرى الولاية التي عانت ظروفا إنسانية كارثية على مدى عام من الصراع في البلاد.
ستلتقط الحكومة أنفاسها بعد استعادتها للمدينة المهمة و التي تبعد بنحو 186 كيلومتر عن الخرطوم، حيث سيكون عليها ترتيب شؤون العائدين إلى مناطقهم، و بذل مجهودات ستكون كبيرة لاستعادة الخدمات التي طالت مرافقها يد التدمير و التخريب، و ستستعيد ولايات أخرى توازنها بعد تخفيف ضغط النزوح على الموارد، كما أن الجيش سيرتكز على قاعدة أكثر قربا من الخرطوم العاصمة التي مازالت مساحات كبيرة منها في يد “الدعم السريع” و تدور فيها حاليا عمليات في كل المحاور.
كثيرا ما اعتبرت المدينة موطنا للفن و الإبداع و الجمال بحكم طبيعتها، و كونها منبتا للعديد من الفنانين السودانيين الذين سطعوا على مستوى البلاد، غير أن الحرب غيرت وجه المدينة بعد أن طال التدمير الكثير من مبانيها و مرافقها، و نزح عنها أكثر السكان إلى ولايات القضارف و كسلا و البحر الأحمر الآمنة.
السودانيون من أكثر الشعوب ارتباطا بالأرض، و بقدر ذلك كانت قسوة شعورهم عندما غادروا بيوتهم في رحلة مريرة من المعاناة، و فرحتهم اليوم بالعودة فرحة عائد إلى الحياة.

