دور المشاريع الصغيرة في دعم الاقتصاد الكلي: أهمية متزايدة في عالم اليوم
المشاريع الصغيرة وتنويع الاقتصاد
- المشاريع الصغيرة أثبتت مرونة وقدرة على التعاطي مع الطوارئ الكبرى
كتب: محمد معتصم إبراهيم.
باختلاف المستوى الاقتصادي للدول ينظر دائما لدور المشاريع الصغيرة كأعمدة رافعة للاقتصاد، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة والأحداث السياسية المؤثرة على الاقتصاد.
غدت المشاريع الصغيرة ضرورة وليست أمرا اختياريا لعلاقتها المباشرة بسوق العمل، ورفع الإنتاج، ودعم الابتكار، وتحريك الاقتصاد بشكل منظور.
هذه المقالة تتناول كيفية إسهام هذه الاستثمارات في تشكيل اقتصاد مستدام وقوي مع وجود الأمثلة.
ما هي معايير المشاريع الصغيرة؟
يتباين تصنيف المشاريع الصغيرة باختلاف الدول، غير أنه يعتمد على مجموعة معايير اقتصادية وإدارية، ويعتبر التصنيف حسب عدد الموظفين هو التصنيف الأكثر شيوعا.
المشروع الذي يشغل ما بين موظف واحد و 5 موظفين يصنف على أنه مشروع متناهي الصغر، بينما يصنف المشروع الذي يوظف ما بين 6 و 50 شخصا على أنه مشروع صغير.
أما المشروع الذي يشغل ما بين 21 و 100 شخص يعد مشروعا متوسطا.
وهناك تصنيفات أخرى للمشاريع مثل تصنيف حجم الإيرادات أو المبيعات السنوية، وتصنيف بحسب حجم رأس المال المستثمر في المشروع، وتصنيف بحسب طبيعة النشاط، وتصنيف في بعض الدول يعتمد على الشكل القانوني مثل الملكية الفردية، والشراكة، والشراكة المحدودة.
ومن تصنيفات المشاريع التصنيف بحسب المدينة أو المنطقة مثل المناطق الريفية، المدن الصناعية، والمناطق الاقتصادية الخاصة، كما يوجد تصنيف بحسب التكنولوجيا المستخدمة في المشروع.
ونستشف من ذلك أن التصنيفات برغم اختلافها بين الدول فإنها لا تنفك عن اعتمادها على القوة العاملة، وحجم الإيرادات، ورأس المال، وطبيعة النشاط، والشكل القانوني.
المشاريع الصغيرة وسوق العمل
على مستوى الاقتصاد الكلي لا يمكن التعامي عن عمل هذه المشاريع في إيجاد وظائف لأعداد كبيرة من الأشخاص، ففي دول كثيرة تشكل الوظائف التي تقدمها هذه المشاريع من 60% إلى 80% من جملة الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص.
مع رفع مستويات معيشة الأشخاص يخفف هذا الأثر الضغط على الحكومات من أجل توفير فرص العمل، وكخير مثال على هذا المذهب توفر المشاريع الصغيرة مئات الآلاف من الوظائف في السعودية، وتمثل نحو 90% من كامل الشركات المسجلة في المملكة.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن هذا النوع من المشاريع يحوز 46% من الموارد البشرية العاملة وفق تقارير اقتصادية محدثة.
النمو المطرد والضخم في توظيف الموارد البشرية يعد أساسيا في رفع الناتج المحلي الإجمالي، وهو بالطبع أساس الاستقرار الاقتصادي.

تنشيط الدورة الاقتصادية وزيادة الطلب
تعمل المشاريع الصغيرة في شكل دوائر فعالة في رفع معدلات الإنتاج والاستهلاك في آن واحد، اعتمادا على شبكات واسعة من الموزعين والموردين والخدمات اللوجستية ويؤثر ذلك على أسواق مثل الصيانة، والنقل، والتغليف، والتسويق، والمحاسبة.
هذا النشاط إذا ما كان متصلا فإن أثره سيكون كبيرا وملحوظا في الدورة الاقتصادية، فيزيد الطلب الكلي ويعزز النمو العام.
المشاريع الصغيرة وتنويع الاقتصاد
يعلم الاقتصاديون أن الاعتماد على قطاع واحد يعتبر من الأخطاء كبيرة المخاطر، والتي تعرض الدولة للهزات العنيفة جراء تقلبات السوق الدولية، وهنا تضيف المشاريع الصغيرة قيمة التنوع المطلوب في الاقتصاد، والذي يجنب الدولة المخاطر الناتجة عن اعتمادها الكلي قطاع أو اثنين فقط.
لقد ساهمت المشاريع الصغيرة ذات الارتباط بالتكنولوجيا في تقليل اعتماد الهند على الصناعات التقليدية، كما ساعدت محلات التجارة الإلكترونية في الإمارات في خلق تنوع مطلوب بدلا عن الاعتماد الكلي على القطاع العقاري.
تنويع الاقتصاد يحميه من الكوارث الاقتصادية والانهيارات المفاجئة، هذه القاعدة مهمة حتى على مستوى الأفراد، فاختيار المشاريع الاستثمارية الناجحة مرتبط بتنوع الاستثمار كوسيلة لإدارة المخاطر.

تعزيز الابتكار ورفع الكفاءة
يلاحظ دائما أن المشاريع الصغيرة تتميز بالقدرة الفائقة على التطور مقارنة بالاستثمارات الضخمة، فالابتكار يولد أسرع عندما يكون المشروع صغيرا لعدة أسباب من ضمنها: السرعة في اتخاذ القرار، وانخفاض تكلفة تجريب الأفكار، والجراءة في تبني الحلول الجديدة.
تشهد بذلك مساهمات كبرى في تغيير شكل الاقتصاد العالمي قدمتها شركات كانت حينها صغيرة مثل غوغل وأوبر وأمازون، وهي الآن شركات ضخمة يشار إليها كلما تداول الناس النجاح وأسراره.
المشاريع الصغيرة والدخل القومي
ما زالت قضية الدخل القومي في بعض الدول النامية تشكل هاجسا أمام المستثمرين الراغبين في إنشاء المشاريع الصغيرة، فعدم وجود تمييز لهذه المشاريع يحميها من فداحة تدخلات مخلصي الإيرادات الحكومية يشكل حجر عثرة أمام استفادة الدولة فعليا من هذه المشاريع.
غير أنه وحالما استطاعت الدولة توفير الحماية القانونية الكافية لنمو هذه المشاريع فإن هذه المشاريع تسهم في رفع دخل الدولة القومي بشكل مؤثر من خلال الضرائب، والرسوم الحكومية، تسجيلات السجل التجاري، ودفع مطلوبات الضمان الاجتماعي.
هذا الضخ الإيرادي يعين الحكومات على إدارة الدولة وتحسين بنياتها وخدماتها مما يفيد الاقتصاد ككل.

التنمية الريفية والمشاريع الصغيرة
لطالما واجهت الحكومات في البلدان النامية تحديات تنمية الريف، خاصة إذا كانت الدولة ذات مساحة كبيرة وبيئات غير متكافئة الموارد.
لقد وجد أن المشاريع الصغيرة هي أفضل وسيلة لتنمية الأرياف التي تعاني من الوصول الحكومي غير الكافي.
عندما يفتتح شخص مشروعا صغيرا في الريف فإنه يوفر فرص عمل للسكان، ويساعد في الحد من النزوح إلى المدن والضغط على الخدمات فيها، ويرفع مستوى الدخل، وينشط الاقتصاد المحلي.
تنجح هذه المشاريع في الريف مستفيدة من ميزات تفضيلية في الخامات والموارد، مما يرفع من إسهام الريف في الناتج القومي، ويدعم تنمية الموارد في المناطق النائية.
ويمكننا هنا أن نسافر إلى أفريقيا لنرى كيف حولت آلاف المشاريع الصغيرة بعض القرى الفقيرة في كينيا إلى مناطق اقتصادية نامية بالاعتماد على الخدمات المحلية والزراعة.
مرونة المشاريع الصغيرة
تمتلك المشاريع الصغيرة قدرة كبيرة على مواجهة الأزمات مقارنة بالاستثمارات الكبيرة، ذلك ما ظهر خلال جائحة كورونا حيث تحولت آلاف المشاريع الصغيرة إلى التجارة الإلكترونية، وقدمت خدمات التوصيل، وأنتجت منتجات كان الطلب عليها ضعيفا مثل الكمامات والمعقمات.
هذه المرونة في التعاطي مع الطارئ ساعدت على حماية الاقتصاد من الانهيار في ظل ظروف معقدة ألمت بالعالم بشكل مفاجئ.
أمثلة دولية مشرقة للمشاريع الصغيرة
تشير الأرقام إلى أن المشاريع الصغيرة تمثل 99% من الشركات التركية وتساهم بأكثر من نصف الناتج المحلي، كما أن دولة كبيرة مثل الصين نجدها قد اعتمدت منذ ثمانينات القرن الماضي على المشاريع الصغيرة في تأسيس الاقتصاد، وغدت 98% من الشركات في الصين تحت تصنيف المشاريع المتوسطة والصغيرة.
أما في ألمانيا رائدة الابتكار والتفوق فنجد ما يعرف باقتصاد الشركات العائلية الصغيرة، وهي مشاريع صغيرة تسهم على نحو واسع ومؤثر في الابتكار والصادر الألماني.
ختاما:
يمكننا القول بثقة تامة إن المشاريع الصغيرة ليست مبادرات فردية يقوم بها أشخاص في المجتمع، أو هي محاولات فردية لخلق دخل محدود، إنما هي عنصر أساسي في تشكيل اقتصاد مستقر ومرن ومتنوع.
لجملة هذه الأسباب تتجه الدول الآن نحو دعمها عن طريق سياسات مشجعة مثل تسهيلات التمويل، وتوفير منصات التجارة الإلكترونية، وتسهيل نظام الضرائب والرسوم الحكومية، والتي قد تعيق نمو أو حتى قيام هذه المشاريع.
دعم هذه المشاريع والنظر إليها بعين العلم والتجربة يدعم الاقتصاد الكلي على نحو ما جاء في هذه المقالة.