د. أُبي عادل القاسم الجاك.
يمثِّلُ الصيامُ أحد العبادات المهمة في الإسلام،؛ إذ يعتبر ركنا أساسيا من أركانه، وهو فرصة ذهبية للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى من خلال الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر حتى المغرب، لكن ما وراء الامتناع الجسدي، يمتد تأثير الصيام ليشمل جوانب أخرى من حياة الإنسان، بما في ذلك الصحة النفسية.
تؤثر هذه العبادة بشكل كبير على الجسم والعقل، لأن الصيام يساعد في تعزيز الصحة النفسية عند القيام به بطريقة صحيحة، مع مراعاة الاحتياجات الجسدية والنفسية والروحية.
تأثير الصيام على الصحة النفسية
يمكن للصيام أن يكون فرصة للتركيز على النفس والتخلص من العادات السيئة التي قد تؤثر سلباً على الصحة النفسية؛ من خلال التحكم في النفس والابتعاد عن الأمور الدنيوية المؤقتة، يجد الكثير من الصائمين فرصة للتأمل الذاتي والنظر في حالتهم النفسية.
أيضاً يمكن تعزيز الانضباط الذاتي وتحسين الاستقرار النفسي مما يؤدي إلى شعور أفضل بالسلام الداخلي.
على الرغم من ذلك، فإن الصيام يمكن أن يكون له تأثيرات مختلطة على الصحة النفسية، لأن بعض الأفراد قد يعانون من ضغوط نفسية أو تغيرات مزاجية خلال فترات الصيام، وخاصة إذا كانوا يواجهون صعوبات في التكيف مع نقص الطعام والماء والنيكوتين والكافيين.
التوتر والقلق قد يزيدان بسبب الجوع أو العطش أو حتى بسبب تغيرات نمط الحياة والنوم خلال الشهر الفضيل، لذلك من الضروري الاهتمام بالعناية الذاتية والراحة النفسية، خاصة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية مزمنة.
التأثيرات الإيجابية للصيام على الصحة النفسية
عند ممارسة عبادة الصيام بشكل متوازن وصحي يمكن أن يحمل العديد من الفوائد النفسية.
الأبحاث تشير إلى أن الصيام المتقطع يمكن أن يعزز إفرازات الدماغ التي تساعد على تحسين المزاج والرفاهية العامة.
الصيام يحفز إفراز هرمونات مثل السيروتونين، التي تلعب دوراً في تحسين المزاج والشعور بالسعادة.
إضافة إلى ذلك، يعزز الصيام الشعور بالروحانية، وهو عنصر مهم في تعزيز الصحة النفسية، ويجد الكثير من الناس الراحة والطمأنينة من خلال العبادة والتواصل مع الله سبحانه خلال شهر رمضان، و من خلال هذا الاتصال الروحي يمكن للصائمين أن يخففوا من التوتر والقلق اليومي الذي قد يعانونه.

إدارة التوتر والقلق أثناء الصيام
يمكن أن يشعر الصائمون بالقلق أو التوتر نتيجة للتغييرات الجسدية التي يمرون بها خلال فترات الصيام؛ الجوع والعطش يمكن أن يؤثرا على مستويات الطاقة والمزاج. لحسن الحظ هناك استراتيجيات يمكن للصائمين اتباعها لتقليل التوتر أثناء الصيام من أهمها
التركيز على النوم الجيد:
يتأثر نمط النوم خلال شهر رمضان بسبب السحور وصلاة الفجر؛ لذلك من المهم جدا ضمان الحصول على قسط كافٍ من النوم خلال النهار أو الليلة لتعويض أي نقص.
اتباع نظام غذائي متوازن:
الإفطار والسحور يجب أن يشملا وجبات مغذية تحتوي على البروتينات والكربوهيدرات لضمان استقرار مستويات الطاقة خلال النهار، و تجنب الأطعمة الدهنية أو السكرية التي قد تسبب تقلبات في مستويات السكر في الدم وتؤدي إلى تقلبات مزاجية.
التأمل والعبادة:
يمكن أن يكون الصيام وقتاً مثالياً لتطوير عادات التأمل والتركيز على العبادة الروحية مثل الصلاة وقراءة القرآن يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتهدئة العقل وتخفيف التوتر.
ممارسة الرياضة الخفيفة:
يمكن لممارسة الرياضة الخفيفة بعد الإفطار أن تساعد على تحسين الحالة المزاجية وتعزيز الصحة النفسية، تمارين التنفس أو الاسترخاء قد تكون مفيدة أيضاً.
الصيام والأدوية النفسية:
تعد مسألة تناول الأدوية النفسية أثناء الصيام من التحديات التي تواجه العديد من المرضى النفسيين، و تختلف الآراء الفقهية والطبية حول كيفية التعامل مع هذه الحالات، ويعتمد الأمر بشكل كبير على نوعية الأدوية وحالة المريض الصحية، يجب على المرضى استشارة أطبائهم حول إمكانية تعديل مواعيد تناول الأدوية لتتناسب مع الصيام، على سبيل المثال، قد يُنصح بعض المرضى بتناول الأدوية مرة واحدة يوميًا عند الإفطار أو السحور، بينما قد يحتاج آخرون إلى تناولها في وقتين مختلفين.

بعض الأدوية قد تسبب الجفاف أو تؤثر على مستوى السكر في الدم، مما يجعل من الضروري مراقبة الأعراض وتناول السوائل بشكل مناسب عند الإفطار لذلك يجب مراجعة الطبيب المعالج وأخذ استشارة بشأن الصيام والعلاج.
أهمية الدعم الاجتماعي والأسري:
يمكن للصيام أن يكون فرصة للتواصل مع الآخرين وتقديم الدعم المتبادل، العائلة والأصدقاء يمكن أن يكونوا مصدراً مهماً للدعم النفسي خلال فترات الصيام؛ من خلال المشاركة في وجبات الإفطار الجماعية أو قضاء الوقت في العبادات المشتركة، حيث يمكن تعزيز الشعور بالانتماء والدعم الاجتماعي.
أيضاً يمكن للأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية أن يجدوا الراحة في التواصل مع المتخصصين النفسيين أو المشاركة في مجموعات الدعم.
الاستماع إلى تجارب الآخرين ومشاركة التجارب الشخصية يمكن أن يساعد على تخفيف الضغوط النفسية وتحسين الحالة المزاجية.
الصيام ليس مجرد تجربة جسدية، بل هو أيضاً رحلة روحية ونفسية، إذا تم التعامل معه بطريقة متوازنة ومدروسة، يمكن للصيام أن يقدم فوائد كبيرة للصحة النفسية، من خلال تعزيز الانضباط الذاتي والتركيز على الروحانية، يمكن للصائمين تحسين صحتهم النفسية والعيش بتوازن أفضل بين الروح والجسد.
د. أُبي عادل القاسم الجاك
oubaiadil2@gmail.com
التوازن بين الروح والجسد هما مفتاح لعيش حياة متكاملة صحية، فلا يمكن أن نحظى بصحة نفسية جيدة إذا كان الجسد مرهق ولا يمكن كذلك أن نحظى بجسد سليم دون راحة نفسية.
مقال جميل جدًا 🌷.
نشكر لك المرور و التعليق باسم الدكتور أبي كاتب المقالة.