أسبالتا

“سوق النخاسة” يعود بثوب عصري

سوق النخاسة أصبح عالميا و بلا حدود.

بقلم: حيدر بركة.

الإنسان كائن اجتماعي يعيش وسط المجتمع، و هذا المجتمع لا بد أن يتمتع بالتنمية الحقيقية التي تقوم على صون القيم الإنسانية، لذلك حين نرى ظواهر تبدو جديدة و لكنها تحمل في طياتها ملامح قديمة و مقيتة لا يسعنا إلا أن نرفع صوتنا عله يبلغ الفجاج فينتبه الغافلون.

مقارنة “سوق النخاسة” في الجاهلية، و وسائل التواصل و إن بدا صادماً للوهلة الأولى، إلا أنه يستدعي منا وقفة تأمل عميقة.

في الجاهلية، كان “سوق النخاسة” مكاناً تُعرض فيه الجواري للبيع، لم يكن الأمر يتعلق بالفكر، و لا بالقدرات، بل بالجسد و مفاتنه.

النخّاس ذلك الوسيط، كان يكشف عن بعض من أجسادهن لإغراء المشترين، و تُحدد قيمة الفتاة بناءً على مدى جمالها و قدرتها على جذب الأنظار.

مشهد قاسٍ، و لكنه كان جزءًا من واقع مرير في تلك الحقبة، في الجاهلية كانت تجبر الفتاة للوقوف على المنصة ليتم عرضها للجمهور، و الآن تغير الحال فأصبح الأمر طواعية و برغبة شخصية في عرض نفسها للجمهور.

الآن، و بعد قرون من التقدم الحضاري، و الثورات الفكرية، و صياغة حقوق الإنسان، هل تكرر المشهد؟ نعم، نعم، و لكن بثوب زاه خداع، و بتقنية متطورة تخفي القبح الكامن وراءها.

هذه المنصات حيث أصبحت اليوم ساحة عرض واسعة، بل “سوقاً عالمياً” لا يعرف الحدود.

الفتيات و في بعض الأحيان الشبان، من أصحاب الميول الجنسية الغريبة يعرضون أنفسهم أمام الملايين، يبرزون ما لديهم من معروضات يرون أنها جاذبة، حركات راقصة، إطلالات في اعتقادهم أنها مغرية، و كلمات فارغة، كل ذلك بهدف واحد نعم هو جذب الانتباه، لك ان تتخيل ذلك و لا تستطيع أن تنكره! جذب الإنتباه وتحقيق المشاهدات، والحصول على الاعجابات والهدايا وبالتالي الحصول على الأموال والشهرة.

المفارقة هنا ليست في الوسيلة، بل في الجوهر، في الماضي، كانت العملية مباشرة و واضحة بيع و شراء جسد أمام العامة من الناس، أما اليوم، أصبحت أكثر تعقيداً، لكنها لا تزال تدور حول الاستغلال، و غلبة المال على واقع القهر و الفقر.

الفتاة التي تعرض نفسها على “هذه الوسائط” لزيادة عدد متابعيها، هي في واقع الأمر تبيع جزءاً من كرامتها، و من وقتها، و من خصوصيتها، مقابل “الإعجابات” و”المشاهدات” التي تتحول لاحقاً إلى إعلانات أو دعم مالي.

القيمة هنا تُحدد أيضاً بناءً على القدرة على الإغراء و جذب الأنظار، لا بناءً على الفكر، و الإبداع الحقيقي، أو المساهمة القيمة في المجتمع.
لا يختلف الأمر كثيراً. فكلاهما يقدم الجسد الأنثوي، أو حتى الرجولي، كسلعة قابلة للتسويق و التقييم بناءً على المظهر. كلاهما يغفل عن القيمة الحقيقية للإنسان، التي تكمن في عقله، روحه، إنجازاته، و مساهمته في بناء مجتمع أفضل.

هذا المشهد يثير فينا كمهتمين بقضايا المجتمع قلقاً عميقاً، فكيف يمكننا أن نبني مجتمعاً قوياً و مزدهراً إذا كانت أولويات شبابنا تتركز على هذه المظاهر الزائفة؟!.

إننا بحاجة إلى وقفة جادة، على الآباء، و المربين، و المؤسسات التعليمية، و الإعلام الواعي، أن يلعبوا دورهم في توعية الشباب و تقديم بدائل حقيقية تتيح لهم كسب هذا الوقت الضائع و تحقق لهم التعبير عن إبداعهم بطرق بناءة ومحترمة.

علينا أن نعيد تعريف النجاح و القيمة في أذهان أبنائنا، بحيث لا تكون مرتبطة بعدد المتابعين أو المشاهدات، بل بمدى قدرتهم على تحقيق الذات بطريقة تخدمهم و تخدم مجتمعهم.

هل نعي ما يجري حولنا؟ أم أن بريق “الشهرة السريعة” قد أعمى بصائرنا عن جوهر القضايا التي تلامس كرامتنا الإنسانية؟.

أخيراً
يجب أن نكون صوتاً لمن لا صوت لهم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.