كيف تكسب 100 سيئة في 10 دقائق ؟
قد يكون العنوان “كيف تكسب 100 سيئة في 10 دقائق” أمرا ليس مخيفا بمقدار ما يجنيه البعض من السيئات خلال جلسة واحدة في مواقع التواصل الاجتماعي.
ما يكتب هنا ليس مُنطلقُه الوصاية على أحد فيما يكتب أو يشاهد، إنما هو للذكرى التي تنفع المؤمنين، و تذكرهم بأن الله محيط بما يعملون.
من باب الترفيه و -الذي هو من المحمودات مطلقا ما لم يختلط بالحرام- تتسرب الابتلاءات و تتكاثر المنكرات حتى تغدوا أمرا معتادا لا تأباه النفس، إن لم تهرع إليه!.
و من المفزعات حقا أن نرى أن المادة الأساسية لبعض الصفحات أو المجموعات هي استعراض سير الناس بما لا يليق بالمسلم، و متابعة أخبارهم الشخصية و ترصد أخطائهم و فضحها.
نرى شخصا يضع صورة لآخر ثم تنهال التعليقات القادحة و الشاتمة و تلك التي ترمي الشخص صاحب الصورة في خلقه و دينه و سلوكه لا لشيء غير اختلاف في رأي أو موقف أو حسدا من عند أنفسهم.
الناشر لمثل هذه المواد يجمع التفاعل و “اللايك” و ينسى أنه يجمع الذنوب، فهو الذي فتح الباب و سمح عبر صفحة أنشأها للآخرين برمي شخص غائب غافل لا يعلم بأبشع الأوصاف.
ليس الناشر وحده من يحتمل الآثام، فالخائضون في أعراض الناس بالتعليقات أيضا هم في حكم المغتاب آكل لحم أخيه، و كذا من رأى و لم ينكر، و من شاهد وأمَّن.
إن سير الناس و خلقهم ليست محل خوض و حديث في الإسلام، كما أن خلافنا مع أحدهم أو إحداهن في أمر عام أو خاص لا يبيح لنا غيبته أو التشهير به.
ما يؤلم له أن بعض الأشخاص ينفقون من وقتهم الثمين للتعليق على مثل هذه الكوارث فيما يسمى ب “الردم”، و هم إنما يردمون المردوم من حسناتهم!! و يملأون ميزانهم من سيئاته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث إبي هريرة رضي الله عنه: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه)، فمال البعض يخوض في سير أناس حتى لا يعرفهم و لا يعرفونه و لم يقابلهم قبلا و لم يقابلوه!!.
كيف تكسب 100 سيئة في 10 دقائق بالغيبة الجماعية
لا فرق في الحكم بين الغيبة بشكلها التقليدي المعروف و هذه الحديثة، بل إن الأخيرة توسع أمرها و عظم شأنها ليشارك فيها أناس من مختلف القارات في وقت واحد.
يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم الحقيقي، (المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده)، أي أنه لا يغتابهم و لا يسبهم، و لا يغتصب مالهم، و لا أعراضهم، و لا يفتن بينهم، و لا يثير بينهم العداوة و البغضاء، و لا يؤذيهم على وجه الإطلاق.
تلك ليست مندوبات، إنما أمر من صميم و لب عقيدة الإسلام التي تجعل للمسلم روحا طيبة، و نفسا كريمة نقية خالية من الأدران و الشوائب، لا تحمل الحقد و الحسد، و لا تسعى بالغيبة و النميمة بين الناس.
تلك المذمومات ليست صفات شخصية وجودها طبيعي في وسط المجتمع المسلم، إنما هي من أمراض القلوب التي لا تستقيم و الإسلام في سرج واحد.
في مثل ما نرى علينا الهرب و النجاة بأنفسنا من كسب الذنوب من رؤية صورة إحداهن نشرت دون علمها، و من سيرة أحدهم يريد ناشرها الحصول فقط على التفاعل !!.

شؤوننا أولى بأوقاتنا، و أمورنا أكبر مما بوسعنا من التفكير، و إن كان في حياتنا شيئا من فراغ، فالأولى بملئه بالذكر قياما و قعودا، و نحن إلى ذلك أحوج في زمان المشاغل و المحن هذا.
علينا أن نتذكر بأن الزمان العريض منذ بداية الخلق نافسنا و ينافسنا فيه على نيل رضا الرحمن أناس لا تحصى معارفهم و ما اقترفوا من خير، فالأوقات أعجل من أن نقضي جلها على معصية نستهين بها، أو أمر نحسبه من اللهو المباح.
الإباحة في ديننا الحنيف مقياسها ما علمنا و مالم نعلم من الخير، و ما حرم فهو ذو صلة بضرر و شر علمناه أو لم نعلم، أما الظاهر ضره و البائن شره فهو أولى بالترك.
في حياتنا من المشكلات و المصاعب ما لا يكفيه الوقت و الفكر، و مستقبلنا أمام ميزان الأعمال يقترب و قد يكون غدا و هو أمر لا تمنعه فسحة الأمل الكذوب، فالنعبر إلى الآخرة و ليس لأحد علينا قول سوء أو غيبة أو مَظلمة.
