هل يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الاختصاصي النفسي البشري ؟
بقلم: د. أبي عادل القاسم.
هل يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الاختصاصي النفسي البشري؟، سؤال يتقدم المقالة إجابات عنه.
في العقد الأخير شهد العالم طفرة غير مسبوقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، الذي لم تقتصر تطبيقاته على المجالات الصناعية أو التجارية، بل امتدت لتشمل قطاعات حساسة مثل الصحة النفسية، حيث ظهرت منصات علاجية رقمية و روبوتات محادثة و برمجيات تحليل المزاج تَعِد بتقديم دعم نفسي فوري ومنخفض التكلفة، هذه التطورات رغم جاذبيتها تطرح سؤالاً محورياً:
هل يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الاختصاصي النفسي البشري بعد التطور الحادث؟
إن حدث ذلك فما المخاطر التي قد تترتب على صحة الإنسان النفسية و العاطفية؟
طبيعة الذكاء الاصطناعي في المجال النفسي
تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي في العلاج النفسي على خوارزميات تحليل البيانات و تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لفهم مشكلات المستخدمين و تقديم استجابات أو خطط علاجية مبنية على نماذج علاجية معروفة مثل العلاج المعرفي السلوكي.
من الأمثلة الشائعة:
- تطبيقات الهاتف التي تقدم تمارين استرخاء أو نصائح لتحسين المزاج.
- روبوتات محادثة علاجية تعمل على مدار الساعة للإجابة على استفسارات المستخدمين.
- برامج تحليل النصوص أو الصوت لاكتشاف مؤشرات القلق و الاكتئاب.
و رغم تطورها تبقى هذه الأنظمة محدودة مقارنة بقدرة الإنسان على إدراك التعقيدات العاطفية و الاجتماعية التي تشكل جوهر الحالة النفسية.

الأضرار و المخاطر المحتملة لجعل الذكاء الاصطناعي بديلا للطبيب
- فقدان العنصر الإنساني في العملية العلاجية.
العلاقة بين المريض و المعالج النفسي ليست علاقة تبادل معلومات فحسب بل هي تفاعل عاطفي قائم على الثقة و التعاطف و فهم التجارب الشخصية، لكن الذكاء الاصطناعي مهما بلغت قدرته على معالجة اللغة لا يستطيع أن يختبر المشاعر أو أن يبدي تعاطفاً حقيقياً، مما قد يجعل المريض يشعر بالعزلة أو بعدم الفهم.
- خطر التشخيص غير الدقيق
تستند أنظمة الذكاء الاصطناعي غالباً إلى بيانات نصية أو أنماط تفاعل رقمية لتحليل الحالة النفسية دون الوصول إلى السياق الكامل لحياة الشخص أو العوامل الخفية المؤثرة في حالته، هذا قد يؤدي إلى تشخيصات سطحية أو خاطئة، و بالتالي تقديم خطط علاجية غير مناسبة قد تزيد الوضع سوءاً.
- ضعف التعامل مع الأزمات النفسية الحادة
في حالات الانهيار العاطفي أو التفكير الانتحاري يحتاج الشخص إلى تدخل فوري من مختص قادر على اتخاذ قرارات منقذة للحياة، معظم الأنظمة الآلية لا تمتلك آليات فعالة للتعامل مع هذه المواقف و قد يقتصر دورها على توجيه المستخدم لمصادر دعم عامة ما قد لا يكون كافياً في لحظة الخطر.
- مخاطر الخصوصية و تسريب البيانات
التفاعل مع منصات العلاج النفسي القائمة على الذكاء الاصطناعي يتطلب مشاركة معلومات شديدة الحساسية عن الحالة النفسية العلاقات و حتى التجارب الصادمة، أي خرق أمني أو سوء استخدام لهذه البيانات يمكن أن يسبب أضراراً اجتماعية و مهنية ونفسية جسيمة.
- تعزيز الاعتماد السلبي على التكنولوجيا
قد يؤدي الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي بدلاً من الأخصائيين إلى تراجع قدرة الأفراد على طلب المساعدة البشرية أو بناء علاقات دعم اجتماعي حقيقية، كما يمكن أن يشعر المريض بأن التعامل مع تطبيق رقمي يكفي فيتأخر طلب العلاج الفعلي من مختص مما يؤدي إلى تفاقم الأعراض. - غياب التقييم الشامل للحالة النفسية
المعالج البشري يستخدم مزيجاً من الخبرة العلمية و الحدس الإكلينيكي لفهم أبعاد الحالة النفسية بما في ذلك لغة الجسد و نبرة الصوت و سياق الأحداث، هذه الجوانب غالباً ما تغيب في التفاعل النصي أو الصوتي مع أنظمة الذكاء الاصطناعي مما يحد من دقة التقييم.

المساءلة و المسؤولية في استبدال الطبيب بالذكاء الاصطناعي
عند حدوث خطأ في التشخيص أو تقديم نصيحة أضرت بالمريض يبقى السؤال: من يتحمل المسؤولية؟ مطوّرو البرنامج؟ الشركة المالكة؟ أم المستخدم نفسه؟.
غياب إطار قانوني واضح يجعل المساءلة في هذا المجال أمراً معقداً.
التحيز الخوارزمي
إذا تم تدريب النظام على بيانات غير شاملة أو منحازة ثقافياً، فقد يقدم توصيات أقل دقة لفئات معينة مما يعمق الفجوة في جودة الرعاية النفسية.
الشفافية والوضوح
من المهم أن يعرف المستخدم أن ما يتعامل معه ليس إنساناً وأن يدرك حدود قدرات الذكاء الاصطناعي و إلا قد يضع ثقة مفرطة في نظام غير قادر على فهم حالته بعمق.
الآثار النفسية والاجتماعية طويلة المدى
تشير بعض البحوث المبدئية إلى أن استبدال الأختصاصي النفسي بأنظمة الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى:
- ضعف مهارات التواصل الاجتماعي لدى الأفراد.
- تأخر التدخل العلاجي الفعّال.
- زيادة العزلة والشعور بالانفصال عن المجتمع.
على المدى الطويل يمكن أن يؤدي هذا إلى تفاقم مشكلات الصحة النفسية بدلاً من حلها خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة للهشاشة النفسية مثل المراهقين وكبار السن.
التكامل بدل الاستبدال
التوجه الأكثر أماناً هو دمج الذكاء الاصطناعي في العملية العلاجية كمساعد للأخصائيين النفسيين لا كبديل لهم، و يمكن استخدامه في:
- جمع البيانات ومراقبة تطور الحالة.
- توفير أدوات تفاعلية بين الجلسات.
- تسهيل الوصول إلى الموارد النفسية الموثوقة.
بهذا الشكل يبقى العنصر الإنساني حاضراً لتقديم الدعم العاطفي و التقييم الدقيق بينما تساهم التكنولوجيا في تحسين الكفاءة و سرعة الاستجابة.
خاتماً
رغم ما يقدمه الذكاء الاصطناعي من فرص لتوسيع نطاق الرعاية النفسية إلا أن استبدال الأخصائيين النفسيين بالكامل بهذه التقنيات ينطوي على مخاطر كبيرة تمس جوهر العملية العلاجية و سلامة المريض.
إن الصحة النفسية ليست مجالاً للاختزال الرقمي البحت بل تحتاج إلى لمسة إنسانية لا يمكن برمجتها أو محاكاتها
و التوازن بين الابتكار التكنولوجي و الحضور الإنساني هو الضمانة الحقيقية لتقديم علاج نفسي آمن و فعّال، حيث يكون الذكاء الاصطناعي أداة داعمة لا بديلاً عن المختص الذي يفهم و يشعر و يتفاعل مع إنسانية المريض.
بقلم 🖋
ابي عادل القاسم الجاك
اختصاصي و معالج نفسي
رقم العيادة الاونلاين واتساب
00249116071234