تقارير و مقالات

تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا.. كيف تم ذلك؟

فكرة تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا

اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها "أمة المهاجرين" منذ تأسيسها في القرن الثامن عشر
  • التنوع الثقافي والعرقي من أبرز سمات الولايات المتحدة الأمريكية

كتب: صلاح محمد طه.

التنوع الثقافي والعرقي من أبرز سمات الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعد اليوم أكثر بلاد العالم تنوعا، باحتضانها أكثر من 330 مليون شخص أصولهم من فجاج الأرض المختلفة، ومع ذلك استطاعت أمريكا أن تبني تماسا ووحدة وطنية تجمع هؤلاء، واستطاعت تحويل التباين إلى مصدر قوة لا شقاق وضعف، لينبع السؤال: كيف نجحت أمريكا في تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا؟

للإجابة على هذا السؤال لا يمكننا النظر إلى عامل واحد فقط، إنما إلى مزيج فريد من الفكر السياسي، والسياسات الاجتماعية، والفرص الاقتصادية، والتعليم، والثقافة.

هذا المزيج المتكامل كون اليوم هوية حديثة جعلت الولاء للوطن مؤسسا على القيم المشتركة لا على عرق أو دين.

فكرة تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا

اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها “أمة المهاجرين” منذ تأسيسها في القرن الثامن عشر.

يظهر ذلك جليا في الدستور الأمريكي الذي لم يؤسس لرابطة الدم أو الأرض كما هو حال غالب دول العالم، إنما أسس الدستور الأمريكي على مفاهيم الحرية، والمساواة أمام القانون.

هذا التأسيس الجديد والذكي مكن أي شخص بغض النظر عن أصوله من أن يصبح جزءا من الأمة شريطة احترامه للقوانين والنظم والمساهمة في بنائها.

كانت تلك البداية الحقيقية لتحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا.

نظام التجنيس والاندماج في أمريكا

سنت الولايات المتحدة قانونا يقدم طريقا واضحا للحصول على الجنسية الأمريكية، حيث يبدأ هذا الطريق بالحصول على التأشيرة، ثم الإقامة الدائمة، ثم بعد ذلك بسنوات يمكن للشخص تقديم طلبه للحصول على الجنسية.

النظام القانوني المشار إليه يمنح المهاجر الشعور بالمسير في مسار اندماج مشروع ورسمي وصولا إلى أن يكون مواطنا أمريكيا كاملا.

تتم عملية تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا بشكل شرعي وتدريجي.

المواطنة المشتركة في أمريكا

القيم الدستورية هي أساس الانتماء للوطن في هذه البلاد، وتلك أعظم نقاط القوة، فالتجربة الأمريكية لا تقوم على العرق أو الدين.

يجعل ذلك المهاجر ذي الأصل الأفريقي أو الأوروبي أو الآسيوي أو العربي يشعر أنه فعليا جزء من كيان عماده الحرية والعدالة وحق الفرد في النجاح.

هذه القيم المشتركة هي أساس عملية تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا، لأنها تجعل الولاء نابعا من القناعة، لا بالإكراه والعنف وفرض سطوة الدولة.

التعليم كجسر للانتماء للدولة الأمريكية

بناء الولاء الوطني أساسه التعليم، فمبكرا يتم تعليم الطفل تاريخ بلاده وأهمية احترام القانون والالتزام بالنظم.

النظام التعليمي في الولايات المتحدة أنتج أجيالا من المواطنين يشعرون بالفخر بانتمائهم إلى البلاد التي قدمت لهم فرص التعليم الرفيعة والنجاح.

يشار إلى التعليم على أنه أبرز وأهم أدوات تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا، بغرسه قيم الولاء والانتماء في الأجيال الجديدة من المهاجرين.

الاقتصاد كعامل اندماج

يتيح الاقتصاد الأمريكي الفرص للجميع، فبغض النظر عن أصل الشخص يحق له الاجتهاد وكسب النجاح، وذلك يكسب المهاجر الانتماء الفعلي لوطنه الجديد.

فتح أبواب التنافس والتمتع بالنجاح وانفتاح الاقتصاد الأمريكي ييسر عملية الاندماج الاقتصادي، وهو جزء من عملية تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا.

تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا
المهاجرون الأوائل وجدوا أن الفرص متاحة للجميع

الحلم الأمريكي في الإعلام

يؤسس الإعلام في الولايات المتحدة دائما لفكرة “الحلم الامريكي”، ومحورها أن الشخص يمكنه أن يبدأ من الصفر وصولا إلى القمة بالعمل الجاد.

هذه الاستراتيجية الإعلامية كانت الملهم للملايين من المهاجرين بأنهم جزء من قصة نجاح جماعية.

علينا أن لا ننسى بأن الثقافة الأمريكية منفتحة طبعا لا تصنعا، وتحتضن أشخاصا من كافة الشعوب والأصول، وتبعا لذلك يشعر المهاجر بأنه يحوز مكانا حقيقيا وسط المجتمع، وبذلك يكتمل مسار تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا من الناحية الثقافية.

الديمقراطية وقوة المؤسسات

لا يمكن النظر إلى التجربة الأمريكية بمعزل عن مؤسساتها القوية التي تحكم الجميع بعدالة، فالديمقراطية الأمريكية تسمح لجميع المواطنين بالمشاركة السياسية، ويدخل في ذلك المهاجرون بعد حصولهم الجنسية الامريكية.

المشاركة السياسية الحقيقية تقوي مفهوم المواطنة، وتحول المهاجرين إلى عناصر فاعلة وصانعة للقرار في المجتمع، وهي آخر مراحل تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا.

التنوع كهوية وطنية

تفردت التجربة الأمريكية في عدم محاربة التنوع كما هو حادث في الكثير من الدول، بل تقدمت أمريكا خطوات وجعلت من التنوع مصدر فخر.

الشعار الرسمي في هذه البلاد هو “من بين الكثيرين نصبح واحدا”، وذا الشعار يلخص الفلسفة الداعمة لكل خطوات تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا، حيث لا يتم السعي نحو محاربة الاختلاف، بل يتم الاحتفاء به كجزء من الهوية الوطنية.

تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا
أنتج التعليم أجيالا من الأمريكيين يفخرون بانتمائهم للبلاد

ختاما:

بنجاح كبير استطاعت أمريكا أن تبني وطنا واحد مواطنوه ملايين المهاجرين لأنها اعتمدت على منظومة من القيم والمؤسسات والفرص التي تمكن الشخص من أن يصبح مواطنا حقيقيا.

لقد أضحت تجربة تحويل المهاجرين إلى مواطنين في أمريكا نموذجا عالميا في الدمج وإدارة التنوع، وإثبات أن الانتماء لا يأتي بالوراثة بل يتم اكتسابه اكتسابا.

التجربة التي طالما افتخر بها الاتحاد السوفيتي السابق في “مسألة إدارة القوميات”، والتجربة الأمريكية الحالية تثبتان أن إدارة التنوع على أسس من العدالة والحرية هو المنتج الأساسي للقوة والوحدة، وهكذا هي الولايات المتحدة دائما.

أسبالتا

شبكة أسبالتا الإخبارية (Aspalta News)، منصتكم الأولى لمتابعة آخر أخبار السودان اليوم على مدار الساعة. نقدم تغطية شاملة وموثوقة للأحداث السياسية، الاقتصادية، الرياضية، والثقافية، بالإضافة إلى تقارير حصرية وتحليلات معمّقة تساعدكم على فهم المشهد السوداني والعالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى