بقلم: رشا المرضي.
يا غريب كن أديب
عندما يسافر الشخص إلى دولة أخرى يكون ملازما للمسكوكة القائلة “ياغريب كن أديب”، التي توارثتها الأجيال في المجتمعات العربية، منها السودان حيث ما زالت تقال في شكل نصيحة و تنبيه لكل من وطأت قدماه أرض لا يعرفها أو دخل بيت غريب عليه.
تتضمن العبارة دعوة لاحترام المكان و أهله، و نداء للتحلي بالكياسة و التواضع و تجنب فرض الرأي و الاستعراض في البيئة الجديدة التي لا نعرف قوانينها و لا تقاليدها، فالغريب حسب هذا ليس من حقه أن يطلب و أن يفعل ما يريد دون أن يحاسب، و الصحيح أن يقدم الشخص أفضل ما عنده بكل أدب وأحترام.
في السودان يقال “يا غريب كن أديب” كثيرا عند زيارة الضيوف أو حتى عند الحديث عن الوافدين الجدد إلى الحي أو مكان العمل، و هي ليست مجرد تنبيه بل تعبير عن توقعات المجتمع من القادم الجديد بأن يكون محترم ومتفهم وألا يتسرع في إصدار الأحكام أو التصرفات.
يقول الدكتور الطيب محمد أستاذ علم الاجتماع بجامعة الخرطوم إن هذه العبارة تعكس ثقافة سودانية ضاربة في الجذور، حيث يتم منح الغريب مكانة الضيف، و يذكر بلطف أن الضيافة لا تعني تجاوز الحدود أو خرق الأعراف، هي مزيج من الكرم و الاحترام المتبادل.
في عصر العولمة و التنقل السريع حيث ينتقل الناس بين البلاد و الثقافات بشكل غير مسبوق تبدو هذه الحكمة مناسبة و حديثة أكثر من أي وقت مضى، ففي كل مجتمع توجد خصوصيات قد لا يدركها القادمون الجدد، و قد توجد صعوبة في بناء جسور التفاهم وتجنب الصدامات.
المقصود من هذه الحكمة ليس التقييد أو التخويف، بل تقديم وصفة ناجحة للاندماج السلس في المجتمعات المختلفة و هي دعوة للإنصات قبل التحدث و الملاحظة قبل الحكم والاحترام قبل كل شيء.
نحن في زمن السرعة و أصبحت الحاجة إلى التمسك بهذه القيم البسيطة و العميقة ضرورة، و هي التي تزرع فينا أدب الغربة و تعلمنا كيف نكون ضيوفا راقين في كل أرض نضع فيها أقدامنا.