تقارير و مقالات

الدرامي عبد الرافع حسن بخيت: هذا ما حدث، و السودان يحتاج الكثير

كغيرهم من قطاعات الشعب السوداني تأثر الفنانون و المبدعون بالحرب الدائرة في السودان منذ يومها الأول؛ فمنهم من فقد حياته، و منهم من فقد عزيزا لديه، و مارس جلهم كفاح الحفاظ على الحياة في ظل الحرب، و لرحلة كل واحد منهم قصة تتفق مع قصة الآخر في أبرز العناوين و هو المعاناة، و تختلف معها في التفاصيل.

الفنان الدرامي عبد الرافع حسن بخيت واحد من أولئك الذين بقوا في منازلهم منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب في السودان ضمن من بقوا من جيرانه و زملائه.

عن كيف قضى الناس في حيه شهور الحرب وسط المعارك يجيب الفنان عبد الرافع بأن أيام الحرب كانت أصعب المواقف التي مرت على حياته، باعتبارها خبرات جديدة لم يعايشها الناس قبلا، و إن كانوا يشاهدونها في الأخبار و يسمعون عنها في الإذاعة و الوسائط لاحقا، مؤكدا أن ما حدث كان أمرا جديدا على غالب الناس.

يحكي الفنان عبد الرافع عن بداية الحرب: ” كانت مفاجئة، و كانت أولى مظاهر بداية الحرب دخول جنود الدعم السريع إلى الحي، و أمرهم المواطنين بالدخول إلى المنازل و عدم التواجد أمامها أو خارجها، يضيف: ” لم نستوعب أنها حرب، و لم ندرك خطورة الأمر و حجمه وقتها، لكن تبادل النيران أوضح الحقيقة الفاجعة، ثم أكمل (التتريس) ما تبقى من معاني الحرب التي أفضت إلى ما نراه”.

يصف الدرامي عبد الرافع أوقات تبادل النيران بأنها من أصعب اللحظات خاصة بعد منع التجوال، الذي أنهاه أحد الضباط بتوجيههم بإخلاء المنازل سريعا نسبة لما تمثله الطائرات المسيرة من خطر داهم، “لقد تعهد لنا بالعودة إلى منازلنا بعد أسبوع واحد”.

يُفصِّل النجم الدرامي؛ ” لم نذهب بعيدا، حيث ذهبنا إلى حي الشاطئ (الخدير) المجاور، و سكنا مع الأهل هناك، و عدنا بعد الأسبوع المحدد، إلا أن الواقع كان أسوأ من السابق الذي كان ماثلا عندما غادرنا، كان الوقت يمر بطيئا و عصيبا تحت القصف و القذائف التي تسقط، و البيوت التي تتهدم، و أشخاص يموتون هنا و هناك في المحيط القريب و البعيد”.

يضيف محدثات بتأثر: لا مياه و لا كهرباء و كان الخروج إلى الشارع أمرا خطرا، و لم تكن الخيارات كثيرة، سلمنا فقط أمرنا لله سبحانه و تعالى و انتظرنا نستمع لأصوات الأسلحة التي عرفناها فيما بعد من أصوات مقذوفاتها؛ مثل طلقات الدوشكا و القذائف المضادة للدروع، و ال 140 دليل، و الكاتيوشا، هكذا أضحت ثقافتنا، تلك الأيام شكلت فينا ما لا ينسى.

الفنان عبد الرافع حسن بخيت
عبد الرافع كان من أوائل المتفقدين للمسرح القومي.
الفنان عبد الرافع حسن بخيت
عبد الرافع كان من أوائل المتفقدين للمسرح القومي.

بوصفه مختصا و مهموما بالثقافة كان الفنان عبد الرافع أول المدنيين الذين تفقدوا مباني المسرح القومي و الإذاعة السودانية بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على مقري الجهازين، يتحدث الفنان عبد الرافع عما شاهده بالقول: ” الخسائر كبيرة جدا، و أكثر ما يحزن في كلية الأمر أن التدمير الذي وقع يُشعر المرء بأنه تدمير متعمد، الأجهزة المهمة عندما تراها تشعر أنها دمرت عن قصد.

يقول الفنان الدرامي عبد الرافع: ” أكثر ما أشعرني بالألم أن حجم التدمير يؤكد أن الأمر ليس مجرد حرب أنتجها خلاف سياسي”.

يشير الدرامي عبد الرافع إلى أن الدمار الذي شاهده في المسرح القومي و الإذاعة و التلفزيون أمر يتعلق بالحرب شكلا، إلا أن الأمر له أبعاد أخرى لا علاقة لها بجيش أو حكومة، فشكل التدمير يشير إلى نوايا طمس هوية البلد و مؤسساتها الثقافية، ذلك ما يفسره بشكل أكثر دقة تدمير أجهزة محطة الإرسال و الاستقبال الأرضية بهذا الشكل المفجع، و تدمير محطة الكهرباء، لم يتركوا شيئا و الله المستعان.

عبد الرافع حسن بخيت تفقد مباني الإذاعة و المسرح القومي
مبنى الإذاعة السودانية تعرض للإتلاف و الحرق
عبد الرافع حسن بخيت تفقد مباني الإذاعة و المسرح القومي
مبنى الإذاعة السودانية تعرض للإتلاف و الحرق

يتحدث الناس عن الخسائر المادية، و القليلون فقط من يتناولون في أحاديثهم خسائر الحرب النفسية و تلك المتعلقة بالثقافة و الفنون باعتبارها غير محسوسة، يقول الفنان الدرامي عبد الرافع حسن بخيت عن هذا الجانب بأن شواهد الأضرار النفسية على المجتمع ظاهرة من خلال الروايات المؤلمة التي يتم تداولها بين الجلساء و الأهل و المعارف.

يؤكد الفنان عبد الرافع بأن هناك تدميرا نفسيا و جسديا و قع على الكثير من الأسر، و هو فوق ما يمكن احتماله، هناك العديد من الناس فقدوا عقولهم من هول الصدمة، باعتبار فظاعة أحداث الحرب من اغتصاب و قتل أمام أفراد الأسر و إهانة و ذل، و كل ذلك يصعب من عملية الترميم النفسي التي يجب أن تكون ضمن برامج المجتمع و الدولة قريبا.

يخص الفنان عبد الرافع الأطفال بالتحية، و يشدد على أن التشوهات النفسية التي حدثت لهم بسبب الحرب تحتاج للتعامل معها بالوعي الذي تستحقه، و بإجراءات عملية لمعالجتها، باعتبار رقة نفوس الأطفال، و قسوة ما عايشوه، محذرا من أن يكون هذا الأمر من المسكوت عنه لأهميته و ضرورة مواجهته بصورة علمية تؤتي ثمارها.

يبدي النجم الدرامي عبد الرافع حسن بخيت عدم الرضا عن مساهمات قطاع الثقافة في الماعون الاجتماعي خلال فترة الحرب، و يقر بأنه غير راض عن نفسه أيضا، لأنه مكبل الخطوة بسبب عدم فاعلية أجهزة الثقافة في وزارة الثقافة و الإعلام.

يؤكد الفنان عبد الرافع أن ماتم حتى الآن خلال فترة الحرب قدر لا يذكر، يقول: ” الزملاء الذين يعملون في بورتسودان و مناطق النزوح و معسكرات اللجوء لا يناظر ما قدموه حجم حدث الحرب، و لا يساهم بالقدر المؤثر و المطلوب في معالجة قضايا الحرب و الوطن.

ترجع الأسباب بحسب محدثنا إلى أن هذا العمل أكبر مما يعتقد البعض، و يحتاج لكي يتم إنجازه وزارة للثقافة قائمة بذاتها، مستشهدا بعدد من دول العالم التي تفرد وزارة قائمة بذاتها لأمر الثقافة، و يبدي أسفه من أن الثقافة غير موجودة حاليا، فقط يوجد الإعلام، و أن ما يتم تقديمه هو فقط اجتهادات فردية و غير مدعومة من أي جهة، مناديا بتفعيل الآليات التي تساعد على تقديم المنتوج الفكري الموجود باعتبار أن الفن فعلٌ جماعي.

عبد الرافع حسن بخيت يقدم رؤيته للثقافة لفترة ما بعد الحرب

يرى محدثنا أن فترة ما بعد الحرب تتطلب خطة واضحة و كاملة لمجمل الشأن الثقافي في البلاد، بوزارة و ميزانية منفصلة، و وزير من أهل الثقافة له منتوجه و إسهامه الثقافي المعروف.

يقول الفنان عبد الرافع : ” لا يمكنني أن أعين فنانا كمدير للكهرباء أو المياه أو المالية”، و يشدد على أن خطة إدارة الشأن الثقافي يجب أن توضع بواسطة خبراء و أن تشمل كل البلاد، في كل المجالات الفنية و الإبداعية، و يتم التوافق عليها قبل التنفيذ الذي يكون ملزما كذلك لوزراء الثقافة بالولايات.

يضيف الأستاذ عبد الرافع بأن وجود الميزانيات التي تحدد لتنفيذ المشروعات يجب أن تكون محمية من تغول أي جهة كانت، باعتبار أن الثقافة هي روح الدولة و عنوان شعبها و ليست رفاهية و ترفا، بل هي جزء من كينونة الدولة و أمنها القومي، مشددا على أن يكون التصحيح شاملا و بشكل واضح في كل مجالات الثقافة.

كل ضروب الفنون نحتاجها في هذه الفترة، يقول الفنان عبد الرافع إننا لا نحتاج شعارات مرفوعة و لا تطبق على أرض الواقع، أو يتم رفعها في أوقات المناسبات، يجب أن يكون الفعل الثقافي دائم و مدروس و مرتب، فمعالجة آثار الحرب تكون بالفنون، كما أن النهضة عنوانها الثقافة.

الفنان عبد الرافع حسن بخيت ينظر للغد بتفاؤل كبير، و يشير إلى أن الدروس المستفادة من الحرب تجعل الجميع على درجة من الحرص على البلاد و أهلها و مكتسباتهم.

أسبالتا

شبكة أسبالتا الإخبارية (Aspalta News)، منصتكم الأولى لمتابعة آخر أخبار السودان اليوم على مدار الساعة. نقدم تغطية شاملة وموثوقة للأحداث السياسية، الاقتصادية، الرياضية، والثقافية، بالإضافة إلى تقارير حصرية وتحليلات معمّقة تساعدكم على فهم المشهد السوداني والعالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى