ديون بلا سداد .. كيف يهتز ميزان الثقة و الاستقرار بسببها ؟

- أصبح من الشائع عدم رد الدين و المماطلة في سداد الديون، المقالة تتناول الأبعاد النفسية و الاجتماعية و الدينية للظاهرة
كتبت: رشا المرضي.
في السنوات الاخيرة أصبحت ظاهرة عدم رد الدين منتشرة دون مراعة حوجة الطرف الدائن، و لا الأحكام الدينية الواضحة في شأن عدم رد الدين أو المماطلة في رده.
عدم رد الدين في ميزان الدين و الأخلاق
يُعدّ الدَّين في جوهره التزام ديني وأخلاقي قبل أن يكون معاملة مالية، و مع ذلك يلاحظ كثيرون حيث أن بعض الأشخاص إذا تلقوا دعمًا ماليا من صديق أو قريب في وقت ضيق فإنهم لا يسارعون إلى رده حتى بعد تحسن أوضاعهم، و أحيانا لا يتم السداد إلا بعد مطالبة صريحة و هو ما يثير تساؤلات حول الأسباب النفسية و الاجتماعية الكامنة وراء هذه الظاهرة.
يؤكد علماء الدين أن المماطلة في رد الديون من كبائر الذنوب بسبب ضعف الوازع الديني و الأخلاقي
إلا أنّ البعض يتساهل في هذا الجانب معتبرا الدين مساعدة بلا التزام، و ضعف الوازع الديني و تراجع القيم الأخلاقية يجعلان المدين يتجاهل حقيقة أن المال أمانة يجب ردها.
البعض يقدم التبرير النفسي أو استعمل التنافر المعرفي و من منظور علم النفس يميل بعض المدينين إلى استخدام آلية التنافر المعرفي حيث يقنعون أنفسهم بأن الدائن لا يحتاج إلى المال أو أن قوة العلاقة تسمح بالتأجيل، و هذه المبررات تمنحهم راحة مؤقتة لكنها تضعف الثقة على المدى الطويل.
و يشير علم النفس الاجتماعي إلى أن المدين أحيانا يهرب من المسؤولية عبر تبريرات داخلية، فيقنع نفسه أن المال ليس دينًا مُلزمًا، بل نوع من المساعدة الودية، و هذا يضعه في صراع داخلي مع قيمه الدينية و الاجتماعية”.
ويصنف أنه هروب من المسؤولية و هو سلوك شائع يلجأ إليه الأفراد لتجنب العواقب السلبية أو الضغط النفسي،
قد ينبع هذا من الخوف من الفشل، أو ضعف الشخصية، أو تجارب سابقة سلبية.

العلاقات الاجتماعية و ضبابية الاتفاق
في المجتمعات العربية تسود ثقافة المساعدة بين الأهل و الأصدقاء ما يجعل الدين يفهم أحيانا على أنه منحة و ليست التزاما، و هنا تنشأ خلافات تفسد علاقات امتدت لسنوات، و لهذا فإن التوثيق و الاتفاق المسبق على موعد السداد يحمي المودة بدلا من أن يقللها.
و في هذا السياق، يشير خبراء علم الاجتماع إلى أن الكثير من العلاقات الأسرية و الصداقات الممتدة عبر الأعوام تنهار بسبب المال، لأننا نخلط بين العاطفة و الالتزام، و إذا تعاملنا مع المال بوضوح منذ البداية لوفّرنا على أنفسنا خسارة العلاقات.
المال ليس مجرد أداة للتبادل بل له تأثيرات نفسية و اجتماعية عميقة يمكن أن تعزز العلاقات أو تدمرها.
و يتفق الخبراء على أن المال غالبا ما يكون مصدرا رئيسيا للصراعات في العلاقات الأسرية و العاطفية، المال و السلطة في العلاقات يحدثان اختلالا في توازن القوة و يمكن أن يخلق المال شعورا بالسلطة أو الدونية في العلاقات، و عندما يكون أحد الطرفين معتمدا ماليا على الآخر، قد يؤدي ذلك إلى توترات و شعور بالسيطرة، لكن هل المال يمكن التعامل معه كمكافأة أو عقاب ؟
تشير نظرية التبادل الاجتماعي إلى أن الناس قد يستخدمون المال كوسيلة للمكافأة أو العقاب في العلاقات، مما يخلق صراعات على السلطة و الغيرة و الحسد حيث الفوارق المالية داخل الأسرة أو بين الأصدقاء يمكن أن تؤدي إلى الغيرة و اختلال توازن القوة و تأثير المال على السلوك الاجتماعي و العزلة في مقابل التفاعل.
أظهرت دراسة أجرتها جامعات مينيسوتا و فلوريدا و الجامعة البريطانية أن مجرد التفكير في المال يجعل الناس أقل ميلا لمساعدة الآخرين و أكثر ميلا للعمل بمفردهم و هذا يشير إلى أن المال يعزز الاكتفاء الذاتي و لكنه قد يقلل من التفاعل الاجتماعي الإيجابي، و على الجانب الآخر يمكن للمال أن يكون وسيلة لإعادة بناء العلاقات الاجتماعية.
في دراسة جديدة ظهر أن تحسين الوضع المالي للأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية خطيرة ساعدهم على إعادة التواصل مع عائلاتهم و أصدقائهم، حيث أن المال سهل عليهم التنقل و المشاركة في الأنشطة الاجتماعية.
يعتبر إقراض المال للأصدقاء من أكثر المواضيع حساسية، و في استطلاع أجراه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ظهر أن الاقتراض من الأصدقاء أو العائلة هو خيار شائع عند مواجهة صعوبات مالية، و مع ذلك يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدهور العلاقة إذا لم يتم التعامل معه بحكمة، حيث يشعر الدائن بالقلق بشأن استعادة أمواله، بينما قد يشعر المدين بالخجل أو الضغط.
و أحيانا يؤثر الأصدقاء على عادات الإنفاق عند الخروج المستمر و تجربة أشياء جديدة و قد يؤدي إلى زيادة المصاريف مما يضع ضغطاً على الوضع المالي للبعض و التزامات جديدة قد تضعهم تحت ضغط مستمر فيلجأ البعض إلى آلية الإنكار لتخفيف شعورهم بالذنب و يتجاهلون واجب السداد و هذا السلوك قد يحميهم نفسيا مؤقتا لكنه يعرضهم لفقدان سمعتهم و مصداقيتهم.
و على الجانب الآخر يرفض كثيرون إقراض المال أصلا و من أبرز الاسباب
ضعف الثقة في قدرة المستدين على السداد و غياب الضمانات الكافية أو
التجارب السابقة السلبية أو الشك في الحاجة الحقيقية للمال.

الحلول المقترحة:
- تعزيز الوعي الديني بأن الدَّين عبادة و أمانة.
- توثيق المعاملات المالية و لو بين الأصدقاء والأهل امتثالا للأمر الرباني في القرآن الكريم.
- السداد التدريجي حتى لو بمبالغ بسيطة.
- بناء ثقافة احترام الحقوق المادية و المعنوية.
- من خلال التواصل المفتوح حيث يعتبر التواصل الصريح و الصادق حول الأمور المالية أمرا بالغ الأهمية للحفاظ على علاقات صحية و من المهم فهم الدوافع النفسية وراء سلوكياتنا المالية وتأثيرها على علاقاتنا.
- وضع حدود واضحة عند إقراض المال للأصدقاء أو العائلة و هذا ضروري لتجنب سوء الفهم و التوترات المستقبلية.