كتب: د. أبي عادل القاسم.
التعامل مع الشخصية السامة واحدة من أكبر فواجعنا الشخصية، و التي كثيرا ما تحدث الصدمات الكبيرة.
يواجه الإنسان في حياته اليومية أنماطًا متعددة من الشخصيات، منها ما يمنحه الطمأنينة و الدعم و منها ما يُلقي عليه بثقل نفسي وعاطفي يُضعف من طاقته و يشوّه سلامه الداخلي.
من بين هذه الأنماط تبرز الشخصية السامة كأحدى أكثرها تأثيرًا سلبيًا و تعقيدا في التعامل، و تكمن خطورة هذه الشخصية في قدرتها على التغلغل في العلاقات الاجتماعية سواء كانت أسرية أو مهنية أو عاطفية أو حتى صداقات، مما يحتم ضرورة فهم سماتها و آليات التعامل معها من منظور نفسي متكامل.
تعريف الشخصية السامة
لا تصنف الشخصية السامة في علم النفس كتشخيص سريري محدد، بل يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى أنماط سلوكية مزعجة و مستنزفة للطاقة النفسية للآخرين، فالشخص السام غالبا ما يتصف بالأنانية و النقد المستمر و التقليل من الآخرين و السعي الدائم للسيطرة، إضافة إلى إظهار سلوكيات درامية و عدوانية مقنعة.
قد يتخذ السم أشكالاً متباينة فقد يكون مباشراً من خلال الإهانة و التهديد أو خفيا عبر اللوم و الابتزاز العاطفي.
سمات الشخصية السامة
تتعدد السمات التي تميز الشخصيات السامة إلا أن أبرزها يتمثل في:
التمركز حول الذات: حيث يرى الشخص السام نفسه محور الحياة و يهمش مشاعر و احتياجاتهم بشكل متعمد.
التقليل من شأن الآخرين: سواء بالتلميح أو التصريح و يسعى هذا الشخص إلى إضعاف ثقة من حوله بأنفسهم من اجل السيطرة على الآخرين.
اللعب على وتر الذنب: يستخدم أسلوب اللوم المستمر لدفع الآخرين إلى الشعور بالذنب و تحقيق مطالبه و رغباته.
الدراما والصراع الدائم: يفتعل المشكلات و يضخم الأحداث مما يبقي المحيطين به في حالة توتر دائم و العلاقات غير مريحة.
رفض المسؤولية: ينكر الخطأ و ينقل اللوم إلى الآخرين أو الظروف المحيطة ما يصعب التعامل معه أو محاسبته.
التأثير النفسي للشخصيات السامة
إن التفاعل المستمر مع شخصية سامة يسبب استنزافا نفسياً و عاطفياً عميقاً فقد يشعر الفرد بالإرهاق و فقدان الثقة بالنفس و تدني تقديره لذاته، كما تزداد لديه مشاعر القلق و الاكتئاب و قد يصاب باضطرابات في النوم أو الشهية نتيجة التوتر المزمن،
و تشير العديد من الدراسات النفسية إلى أن بيئة العلاقات السامة تعد أحد العوامل المساهمة في ظهور أعراض التشتت الذهني و اضطرابات ما بعد الصدمة خاصة في حالات العلاقات طويلة الأمد.

استراتيجيات التعامل مع الشخصية السامة
من المهم في التعامل مع هذه الشخصيات اعتماد مجموعة من الأساليب التي تحافظ على التوازن النفسي ومن أبرزها:
الوعي والتمييز: الخطوة الأولى تبدأ بتحديد ما إذا كان الشخص المقابل يتصرف بسلوكيات سامة دون الوقوع في فخ التبرير المستمر له.
وضع الحدود النفسية: من الضروري رسم حدود واضحة في التعامل و تحديد ما هو مقبول و ما هو مرفوض مع التأكيد على عدم السماح بتجاوز تلك الحدود.
التواصل الحازم: يجب التعبير عن المشاعر و الرفض بوضوح و احترام دون الدخول في مشاحنات أو جدالات طويلة غير مثمرة.
الابتعاد التدريجي: في حال استمرت السلوكيات السامة رغم محاولات الإصلاح فقد يكون الخيار الأفضل هو تقليل التفاعل تدريجياً أو قطع العلاقة عند الضرورة.
طلب الدعم النفسي: التعامل مع شخصية سامة قد يتطلب دعما خارجياً سواء من الأصدقاء أو من مختص نفسي للمساعدة في إعادة بناء الثقة بالنفس و تحليل العلاقة من منظور مهني.

مسؤوليتنا تجاه أنفسنا
من المنظور النفسي يعد الحفاظ على الصحة النفسية أولوية لا تقل عن الصحة الجسدية لذلك فإن وضع حد لتأثير الشخصيات السامة ليس أنانية بل هو شكل من أشكال الرعاية الذاتية.
العلاقات الإنسانية لا ينبغي أن تبنى على الخوف أو القلق بل على الاحترام و التقدير المتبادل.
ختاما
إن مواجهة الشخصية السامة تتطلب وعيا ذاتيا و إدراكا لحق الإنسان في بيئة نفسية آمنة، وعلى الرغم من أن قطع العلاقات ليس دائماُ خياراً سهلاً إلا أن حماية النفس من الاستنزاف العاطفي يجب أن تكون هدفا أصيلاً في كل علاقة فالعافية النفسية تبدأ من قراراتنا اليومية و من الشجاعة أن نختار السلام على حساب الإرضاء الكاذب أو التعايش مع الأذى.
اختصاصي و معالج نفسي
د. أبي عادل القاسم الجاك.
رقم العيادة الاونلاين واتساب
249116071234+