كتبت: رشا المرضي.
أخبار سلطنة دارفور أو الفور و أحوالها ملأت الكثير من الكتب و الصفحات، أما عاصمتها الفاشر أو فاشر السلطان فهي عنوان للكثير المعاني الوطنية و الثقافية و التاريخية.
تقول المصادر إن لقب الفاشر أبو زكريا يعود إلى الأمير زكريا والد السلطان علي دينار الذي كان له الفضل الكبير في تطوير المدينة و إرساء قواعد المدنية فيها.
امتد حكم سلاطين الفور منذ خمس قرون وكان أولهم السلطان سليمان سولونق، و آخرهم هو علي دينار الذي استشهد في عام 1916 على يد الغزاة الإنجليز، و كانت إدارة حكمهم في جبل مرة، إلا أن السلطان عبد الرحمن الرشيد قرر أن ينقل مكان الإدارة الى منطقة تتوسط السلطنة فوقع الاختيار على منطقة وادي رهد تندلتي الواقعة في السهول الشرقية من دارفور لإقامة مدينة الفاشر وبنى قلعة كبيرة و حصينة فيها، وكانت نقطة الالتقاء والانطلاق للتجارة عبر طريق الأربعين.
ذاع ذكر الفاشر في تاريخها بإرسالها كسوة الكعبة، وبها معالم تاريخية و سياحية كقصر السلطان علي دينار الذي بدأ بناؤه في 1871، و اكتمل إنشاؤه في 1912،و بحيرة الفاشر و مسجد الفاشر العتيق، و المثير من الشواهد التاريخية و المعالم الحضرية التي تستحق أن يُشدَّ الرحال لزيارتها و مشاهدتها و الوقوف بها.

كانت مدينة الفاشر خلال عهد سلطنة الفور محطة رئيسية للحجيج المتجهين إلى البيت الحرام، و القادمين من شتى بقاع غرب أفريقيا، و كان الحجاج يتوقفون فيها لأخذ قسط من الراحة، و يتزودون للرحلة الطويلة الشاقة.
سلطنة دارفور اشتهرت بأعمال جليلة
شيد السلطان علي دينار -آخر سلاطين الفور- مصنعًا لصناعة كسوة الكعبة، و ظل يرسلها إلى مكة المكرمة لمدة تقارب عشرين سنة، و
حدث للفاشر تطور عمراني كبير في عهد السلطان علي دينار الذي اهتم بالإعمار و الأبنية فيها، و بنى قصره و مجمع سكنه الذي كان يضم غرف المجالس والردهات و المسجد الجامع فشكل معلماً معمارياً بارزاً في المنطقة خلال تلك الحقبة وهو الآن متحفاً يتبع للهيئة القومية للآثار.
و من أبرز الآثار الباقية حتى الآن قصر السلطان علي دينار و مجمع السلطان علي دينار الذي يضم مسجدا ومكتبة إلكترونية و مركزاً لتحفيظ القرآن الكريم.

السوق الكبير بالفاشر يضم المحلات التجارية من دكاكين ومقاه و مخازن للحبوب، و هو أيضاً مركز المواصلات المؤدية إلى جميع احياء المدينة، و كثيرا ما نسمع بسوق ام دفسو و هو سوق تباع فيه الفواكه المنتجة في منطقة جبل مرة و منتجات
دارفور الغذائية التقليدية مثل الكول و عسل الجبل و السمن الطبيعي.
يعمل سكان المدينة في الزراعة و الرعي و الخدمات، و تشمل الزراعة المحاصيل النقدية و الاستهلاكية مثل الذرة و السمسم و الموز ، بينما تتركز تربية الحيوان على رعي الماعز و الأغنام و الابقار و في الآونة الأخيرة تطور قطاع الخدمات بفضل النمو السكاني الذي نتج عن النزوح إلى المدينة من أنحاء مختلفة في دارفور، و الأعداد الكبيرة من المنظمات التطوعية الأجنبية و المحلية و ما يرافقها من خدمات إدارية و لوجستية.
حرب السودان الأخيرة جعلت من الفاشر محط أنظار العالم؛ فهي المدينة التي تتلقى يوميا قذائف المدفعية و هجمات الطائرات المسيرة، و يسقط سكانها الأبرياء بين قتيل و جريح.
تبددت الكثير من أوجه الحياة في الفاشر، و غدت تنتظر وقف الكارثة ليبدأ عهد جديد يسوده السلام و الأمن و الاستقرار، لتعيد المدينة سيرتها الأولى، و مثل سيرة الفاشر و تاريخها كنز ثقافي و إنساني لا ينبغي أن يضيع و يندثر.