بقلم: د. أبي عادل القاسم.
التدخلات النفسية في علاج الاضطرابات النفسية من الضروريات الملحة.
في العقود الأخيرة، شهد العالم تطوراً كبيراً في فهم الصحة النفسية وأهمية العناية بها جنباً إلى جنب مع الصحة الجسدية.
إلى حدٍ ما لم يعد ينظر إلى المشكلات النفسية باعتبارها ضعفاً شخصياً أو “وصمة عار” بل أصبحت تفهم ضمن سياق علمي و نفسي واضح، ما فتح الباب أمام تدخلات نفسية متعددة و مؤثرة يمكن أن تغير مسار حياة الأفراد إلى الأفضل.
في هذا المقال نسلط الضوء على أهمية التدخلات النفسية وأثرها الإيجابي على صحة الإنسان بالإضافة إلى استعراض مخاطر إهمال التدخل في الوقت المناسب.
التدخلات النفسية
التدخلات النفسية هي مجموعة من الأساليب والبرامج والاستراتيجيات التي يستخدمها المختصون في علم النفس لعلاج أو تخفيف حدة المشكلات النفسية والسلوكية التي يعاني منها الأفراد.
تشمل هذه التدخلات: العلاج المعرفي السلوكي، والعلاج بالقبول والالتزام، والعلاج الأسري، والعلاج الجماعي، والتأهيل النفسي، والإرشاد النفسي المتخصص وغيرها.
وتختلف هذه التدخلات باختلاف نوع المشكلة، ودرجة شدتها، والمرحلة العمرية للفرد والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.
أهمية التدخلات النفسية في علاج الاضطرابات النفسية
تكمن أهمية التدخلات النفسية في عدة جوانب يظهر تأثيرها على مستوى الفرد والمجتمع ومن فوائد التدخلات
- تحسين جودة الحياة:
تساعد التدخلات النفسية على تحسين جودة الحياة النفسية والاجتماعية للفرد، إذ يتمكن من فهم نفسه بصورة أفضل، والتعامل مع ضغوط الحياة بشكل أكثر فاعلية.
كثير من الأشخاص الذين خضعوا للعلاج النفسي أفادوا بأنهم أصبحوا أكثر توازناً ومرونة وقدرة على تجاوز التحديات اليومية. - الوقاية من تفاقم الاضطرابات:
من خلال التدخل المبكر يمكن منع تدهور الحالة النفسية. فمثلاً الشخص الذي يعاني من قلق خفيف يمكن مساعدته قبل أن يتحول القلق إلى اضطراب عام أو يؤدي إلى الاكتئاب أو الإدمان والانتحار في بعض الأحيان. - المساعدة في فهم الأسباب العميقة للمشكلة:
كثير من الاضطرابات النفسية تكون جذورها ممتدة في الطفولة أو في أحداث معينة في حياة الفرد.
من خلال الإرشاد والعلاج النفسي، يمكن الغوص في هذه الجذور، وتحليلها وفهم كيف تؤثر على السلوك والمشاعر الحالية مما يتيح الفرصة لمعالجتها بطريقة عميقة ومستدامة. - تعزيز المهارات النفسية والاجتماعية:
من فوائد التدخلات النفسية أنها تساعد الأفراد على اكتساب مهارات جديدة مثل حل المشكلات والتواصل الفعال وإدارة الغضب وتنظيم الانفعالات مما ينعكس إيجاباً على علاقة الشخص بنفسه علاقاته بالمجتمع. - تقليل الحاجة للأدوية:
في بعض الحالات يساعد التدخل النفسي المنتظم في تقليل الاعتماد على الأدوية النفسية أو منع استخدامها من الأساس خاصة في الاضطرابات البسيطة إلى المتوسطة وهو ما يقلل من الآثار الجانبية المحتملة. - دعم الأسرة والمجتمع:
التدخلات النفسية لا تقتصر على الفرد وحده بل تمتد إلى محيطه الاجتماعي خاصة في حالات الإدمان والعنف الأسري والمشكلات الزوجية واضطرابات الطفولة.
فالعلاج الأسري أو الجماعي، على سبيل المثال، يخلق مساحة للتفاهم والحل الجماعي للمشكلات.

أثر التدخلات النفسية على مختلف الفئات العمرية
- الأطفال والمراهقون:
التدخل في سن مبكرة يساعد في تعزيز الثقة بالنفس وتعديل السلوك وتحسين الأداء الدراسي والاجتماعي. - البالغون:
يسهم العلاج النفسي في تنظيم الحياة العملية والاجتماعية والتعامل مع ضغوط الحياة المعاصرة كالفشل والفقد والمشكلات الزوجية وتحديات العمل. - كبار السن:
يُعزز التدخل النفسي في هذه المرحلة من التكيف مع التقاعد، والوحدة، والتغيرات الجسدية ويقلل من احتمالية الإصابة بالاكتئاب أو القلق.
مخاطر عدم التدخل في الوقت المناسب لعلاج الاضطرابات النفسية
استناداً على تجاربي الشخصية فإن التدخلات النفسية المبكرة تساهم في تقليل العديد من المخاطر و عدم التدخل في الوقت المناسب يمكن أن يسبب الكثير من المخاطر منها
- تفاقم الأعراض النفسية:
تجاهل الأعراض الأولى مثل القلق أو اضطرابات النوم قد يؤدي إلى ظهور اضطرابات أكثر حدة مثل الاكتئاب، أو اضطراب الهلع، أو الوسواس القهري. - الانعزال والانطواء:
عندما لا يجد الإنسان الدعم أو التدخل المناسب قد يلجأ إلى الانعزال وفقدان العلاقات الاجتماعية مما يزيد من شعوره بالوحدة والاغتراب. - ظهور سلوكيات ضارة:
الأشخاص غير المعالجين نفسياً قد يعبرون عن ضيقهم بطرق مؤذية كإيذاء النفس أو الانخراط في سلوكيات إدمانية أو سلوك عدواني تجاه الآخرين. - التأثير السلبي على الأداء العام:
تتأثر قدرة الفرد على العمل والدراسة وتحقيق الإنجازات إذا كانت صحته النفسية متدهورة وغير معالجة. - المخاطر الجسدية:
هناك ارتباط وثيق بين الصحة النفسية والجسدية، فمثلاً التوتر المزمن يمكن أن يؤدي إلى أمراض في القلب والجهاز الهضمي، والمناعة.
وبالتالي فإن عدم معالجة الاضطرابات النفسية قد يتسبب في أضرار جسدية حقيقية. - ارتفاع معدلات الانتحار:
في بعض الحالات الشديدة يؤدي الإهمال النفسي إلى تفكير المريض بالانتحار أو محاولة تنفيذه خاصة عندما يشعر بأنه فقد كل أمل في المساعدة أو التعافي.

كيف نساهم في تعزيز التدخلات النفسية؟
هناك مجموعة من الأشياء ممكن فعلها لتعزيز التدخلات النفسية وتقبلها للفرد والمجتمع من بينها
- نشر الوعي:
التحدث عن الصحة النفسية بشكل طبيعي والمساهمة في كسر الوصمة الاجتماعية المرتبطة بها. - توفير خدمات ميسرة:
دعم خدمات العلاج النفسي في المدارس والجامعات وأماكن العمل وتسهيل الوصول إليها مادياً وجغرافياً. - دعم المحيطين:
تشجيع الأصدقاء وأفراد الأسرة الذين يعانون من مشكلات نفسية على طلب المساعدة وعدم تأخيرها.
خاتمة
الصحة النفسية ليست رفاهية، بل هي ركن أساسي من أركان الحياة السليمة. - والتدخل النفسي ليس مجرد علاج، بل هو استثمار في النفس والكرامة والراحة والاستقرار.
فكل لحظة نتردد فيها عن طلب المساعدة أو نقدم فيها على تجاهل المشكلة، قد تكون لحظة ندفع ثمنها باهظاً لاحقاً.
أما إذا اخترنا التدخل في الوقت المناسب، فإننا نمنح أنفسنا فرصة جديدة للحياة، وللسعادة، ولتحقيق ما نستحقه من راحة نفسية وطمأنينة داخلية.
بقلم 🖋
ابي عادل القاسم الجاك
اختصاصي ومعالج نفسي
رقم العيادة الاونلاين
00249116071234