أسبالتا

نار البعد و الغربة .. مأساة المغتربين و أسرهم

مأساة المغتربين و أسرهم لا يشعر بها إلا أصحاب التجارب الحقيقية.

بين مطرقة الغربة و سندان الواجب يولد صراع الهوية و الانتماء في رحلة الاغتراب مكفهرة البدايات كئيبة المساعي.

الكثير من الرجال و النساء يقفون على مفترق الطرق و الصراع القاسي عندما تدق ساعة الرحيل عن الوطن، فتبدأ حكاية الاغتراب التي تحمل في طياتها آمالاً بغدٍ أفضل، و لكنها في الوقت ذاته تزرع في النفوس بذرة صراع مرير حول الهوية و الانتماء، و غرابة المكان و الوجوه.

تتشعب دروب هذا الصراع، فيعيشها الرجل وحيداً تحت ضغط مسؤولياته المادية، و تعيشها المرأة ممزقة بين خيارات مصيرية.

بالنسبة للرجل غالبا ما يهاجر بهدف تأمين حياة كريمة لأسرته فتتحول الغربة إلى ساحة اختبار نفسي هائل.

في وطنه الثاني، يصبح دوره محصورا في السعي و لا غيره ، يتمثل هذا الدور في كونه المعيل، و تتضاءل جوانب هويته و يبدأ الشعور بالانفصال عن مجتمعه الجديد الذي قد لا يتقبله بسهولة، و في الوقت نفسه، يتسع الشرخ العاطفي بينه و بين أسرته التي تركها خلفه و يصبح الأب الحاضر الغائب، فيرسل “المصاريف” بانتظام، لكنه يفتقد لحظات النمو و التطور داخل بيته، مما يخلق لديه شعوراً بالذنب و فقداناً لبوصلة الانتماء الأسري.

و يشير أحد المواقع و هو موقع بولدر فاميلي ثيرابي إلى أن هذا الضغط لتلبية التوقعات المجتمعية و المادية يمكن أن يؤدي إلى القلق و تدني احترام الذات.

أما المرأة فتجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن تلحق بزوجها في بلد غربته لتبدأ رحلة التكيف مع مجتمع جديد و ثقافة مختلفة و قد تضطر للتخلي عن طموحها المهني و استقلاليتها المادية التي حققتها في وطنها و تواجه تحديات العزلة و الوحدة في بيئة لا تملك فيها شبكة دعم اجتماعي، حيث أشار تقرير لمنظمة سكوتيش بيكون إلى أن العزلة الاجتماعية للمهاجرات لا تشكل عبئا عاطفيا فحسب بل يمكن أن يكون لها عواقب صحية جسدية خطيرة،
أو أن تختار البقاء في وطنها و المحافظة على عملها و رعايتها لأهلها و لكنها تدفع ضريبة غياب الزوج و الشريك لتتحمل مسؤوليات التربية منفردة و تعيش في حالة من الانتظار والقلق الدائم.

هذا ما تعبر عنه الكثير من الاستشارات على المنصات حيث تشكو زوجات الرهق من غربة الزوج و عدم مشاركته المسؤولية الأسرية، مما يسلط الضوء على العبء النفسي و العاطفي الذي يثقل كاهل هؤلاء النساء.

في كلتا الحالتين، تتأثر ديناميكيات الأسرة بشكل عميق، فالأبناء ينشأون في ظل غياب أحد الوالدين، مما قد يؤثر على استقرارهم النفسي.

ذكر الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر في تصريحات صحفية أن غياب الأب بسبب السفر من أجل العمل يؤثر بشكل كبير على نفسية الأطفال و نموهم، و قد يؤي غياب الأب إلى شعور الفتيات بعدم القدرة على الاندماج في العلاقات العاطفية، بسبب عدم قدرتهن على تصور كيفية التعامل مع الرجل، و فيما يتعلق بالأولاد، غياب الأب يجعلهم يواجهون صعوبات في فهم دور الرجل في حياتهم.

إنها رحلة محفوفة بالتحديات، حيث يصبح الحفاظ على الهوية الشخصية و الروابط الأسرية في وجه العواصف وقدرة متباينة على الصمود أمرا صعبا و يحمل قسوة الاختبار.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.