“الشلب” خطف الشريك بين التفريط و البحث عن الأفضل

كتب: د. أبي عادل القاسم.
“الشلب” ظاهرة لها أسبابها و آثارها.
في مجتمعاتنا العربية و الأفريقية، تكثر الظواهر الاجتماعية التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الصحة النفسية للأفراد.
من بين هذه الظواهر، تبرز ظاهرة “الشلب” – و هي كلمة عامية تعني “خطف الشريك”، أي أن يقوم شخص أو طرف ثالث بالتدخل في علاقة قائمة بين رجل و امرأة (سواء كانت علاقة خطوبة، زواج، أو حتى علاقة عاطفية جادة)، و يقوم بجذب أحد الطرفين نحوه و قطع العلاقة السابقة.
قد تبدو الظاهرة عابرة أو حتى شائعة، لكن خلف هذا الفعل تتوارى مشكلات نفسية عميقة و آثار اجتماعية جسيمة قد تترك ندوباً دائمة على الأفراد و العلاقات و المجتمع ككل.
ما هو خطف الشريك “الشلب” ؟
الشلب هو التدخل المُتعمَّد لطرف خارجي في علاقة عاطفية مستقرة، باستخدام الإغراء، الكذب، أو استغلال نقاط الضعف العاطفية أو الاقتصادية، بهدف كسب أحد طرفي العلاقة لنفسه.
قد يتم ذلك بدافع الغيرة، التنافس، الانتقام، أو حتى بدافع التملك.
على الرغم من أن العلاقات العاطفية تخضع لتقلبات و ظروف معقدة، إلا أن الشلب يُعد فعلاً غير أخلاقي ينتهك خصوصية العلاقات، و يضرب بجذور الثقة عرض الحائط.


الأسباب النفسية والاجتماعية لانتشار الشلب “خطف الشريك”
- الفراغ العاطفي و قلة الوعي:
في بعض البيئات يعاني الشباب من نقص في التوجيه العاطفي و التربوي، ما يجعلهم عرضة للدخول في علاقات سطحية أو مشوهة.
عدم الفهم الحقيقي لمعنى الالتزام و الاحترام المتبادل يفتح الباب أمام تدخلات خارجية.
- النرجسية و حب التملك:
بعض الأشخاص الذين يمارسون الشلب يعانون من اضطرابات شخصية، مثل النرجسية أو اضطراب الشخصية الحدّية، و يجدون في “خطف” الشريك إثباتاً لقيمتهم الذاتية أو وسيلة لتعزيز شعورهم بالسيطرة.
- الفقر و التفاوت الطبقي:
في بعض السياقات، خصوصاً في المجتمعات الأفريقية، قد يستخدم الشلب كوسيلة لتحسين الوضع المادي، حيث يجذب شخص ميسور الحال طرفاً من علاقة قائمة بدافع الطمع أو الرغبة في الاستقرار المالي.


الآثار النفسية على الأفراد
- الصدمة العاطفية:
يتعرض الطرف الذي يُترك فجأة لصدمات نفسية عميقة، خصوصاً إذا كانت العلاقة قائمة على الثقة و المشاعر الجادة، قد يشعر بالخيانة، الإهانة، وفقدان الكرامة.
- انعدام الثقة بالآخرين:
الشلب يُحدث شرخاً عميقاً في ثقة الفرد بالناس، خاصة إن كانت هذه التجربة الأولى له في العلاقات، و قد يؤدي إلى تعميم هذا الشك على كل التجارب القادمة. - الاكتئاب والقلق:
كثير من ضحايا الشلب يدخلون في حالات من الاكتئاب، فقدان الشهية، اضطرابات النوم، و اضطرابات القلق، و قد تمتد هذه الأعراض لفترة طويلة.
- إضعاف تقدير الذات:
يشعر الضحية و كأنّه لم يكن كافياً أو مقبولاً، ما يؤثر على صورته الذاتية، خصوصاً في المجتمعات التي تضع ضغطاً عالياً على الأداء العاطفي و الاجتماعي.
الآثار الاجتماعية على المجتمع
- تفكك العلاقات و زعزعة الاستقرار الأسري:
عندما يحدث الشلب في إطار زواج أو خطوبة، فإن نتائجه قد تكون مدمّرة، ليس فقط للطرفين المباشرين، بل أيضاً للعائلة و الأطفال إن وُجدوا، مما يخلق بيئة غير آمنة اجتماعياً.
- انتشار عدم الأمان العاطفي:
تصبح العلاقات العاطفية في المجتمع قائمة على الحذر و الخوف، بدلا عن الحب و الثقة، ما يُفقدها قيمتها الإنسانية.
- تغذية ثقافة الاستهلاك العاطفي:
عندما يُصبح جذب الشريك من علاقة قائمة أمراً شائعاً، فإن العلاقات تُفهم كسلعة قابلة للاستبدال، و تُفقد معانيها العميقة من التفاهم، الصبر، و الاحترام.
- صراع بين القيم التقليدية و الواقع المعاصر:
في المجتمعات المحافظة، يُنظر للشلب كفعل خادش للقيم و الأخلاق، مما يولد صراعات داخل الأسر و المجتمعات بين الأجيال.
خصوصية الظاهرة في السياق العربي و الأفريقي
في كثير من المجتمعات العربية و الأفريقية، تُشكّل العلاقات العاطفية جزءاً من الهوية الاجتماعية للأسرة و القبيلة والمجتمع.
ومن هنا، لا يُعد الشلب فعلاً فردياً فقط، بل يُنظر إليه كتهديد لهيكل العلاقات بأكملها، ففي بعض المجتمعات، يُمكن أن يؤدي الشلب إلى نزاعات بين العائلات، أو حتى إلى أعمال عنف انتقامية، كما أن المفاهيم المرتبطة بالشرف و الكرامة تزيد من تعقيد هذه الظاهرة.
كيف يمكن مواجهة ظاهرة الشلب؟
لتخفيف ظاهرة الشلب في المجتمع يجب القيام بالآتي على الصعيد الشخصي والمجتمعي:
- التربية العاطفية و الوعي المجتمعي:
ينبغي غرس قيم الاحترام المتبادل، و الالتزام في العلاقات، و تعليم الأفراد كيفية بناء علاقات صحية تقوم على الثقة و التفاهم.
- تمكين الصحة النفسية:
توفير الدعم النفسي لضحايا الشلب مهم جداً، سواء من خلال الاستشارات الفردية أو مجموعات الدعم، لتخفيف الآثار العاطفية العميقة.
- تعزيز القيم الأخلاقية و الدينية:
كل من الدين الإسلامي و المسيحي يُعلي من شأن الوفاء و الأمانة في العلاقات، و بالتالي يمكن استخدام الخطاب الديني و الأخلاقي لمحاربة الظاهرة.
- القيود و التشريعات المجتمعية:
يمكن التقليل من هذه الظاهرة بوضع قيود و تشريعات و عقوبات اجتماعية مثل (النفي الاجتماعي ، العزلة الاجتماعية و غيرها) .
ختاماً:
الشلب ليس مجرّد “لعبة عاطفية” أو تجربة عابرة، إنه ظاهرة تحمل بين طياتها آثاراً نفسية مدمّرة، و مضاعفات اجتماعية خطرة، لا سيما في المجتمعات العربية و الأفريقية حيث تتقاطع العلاقات مع البنى الثقافية و الدينية.
مواجهة هذه الظاهرة تتطلب و وعياً جمعياً، و إصلاحاً في أساليب التربية، و نقاشاً صريحاً حول طبيعة العلاقات و حدود التدخلات الخارجية،
فالعلاقات الإنسانية بما فيها العاطفية، يجب أن تُبنى على الاحترام، لا على الخطف، و لا على كسر الثقة.
بقلم 🖋
أبي عادل القاسم الجاك
اختصاصي ومعالج نفسي
رقم العيادة الاونلاين واتساب
00249116071234