أسبالتا

الألغام الأرضية و مخلفات الحروب.. ذاكرة الحرب المنفجرة

مع كل حرب تشتعل يرث المدنيون تركة ثقيلة من الألغام الأرضية و الذخائر غير المنفجرة، و هي مخلفات حربية لم تنفجر و تظل تمثل خطرا بالغا على المدنيين و على مدى سنوات طويلة بعد انتهاء النزاع المسلح.

و تشمل الأجسام غير المنفجرة من بقايا الحروب طيفا واسعا من الذخائر من ضمنها القنابل اليدوية، و قذائف المدفعية، و القذائف الصاروخية، التي تحول ظروف تكنيكية أو طبيعية دون انفجارها عند إطلاقها، غير أن الألغام الأرضية تظل في مقدمة المخاطر التي تحدق بالمدنيين و الحيوانات خلال حركتها اليومية.

الألغام الأرضية هي أجهزة تحتوي متفجرات، و تكون مخبوءة تحت سطح الأرض، و تنفجر عند الضغط عليها أو الاقتراب منها، و لا صحة لما رسخته بعض الأفلام السينمائية أن اللغم لا ينفجر إلَّا بعد رفع القدم عنه.

تعتبر هذه الألغام و الذخائر من أكبر المخاطر التي تواجه المدنيين حال ممارستهم حياتهم الطبيعية في منطقة كانت في السابق مسرحا لعمليات عسكرية، مالم تتدخل فرق متخصصة للكشف عن تلك الأجسام و إزالتها.

لا تقتصر أضرار مخلفات الحروب على ما تلحقه بالإنسان من إزهاق للأرواح و بتر للأطراف و تشويه للأجساد، بل تعيق و لفترات طويلة النشاط الاقتصادي سواء كان زراعيا أو صناعيا، و تمنع السكان من استغلال الأرض المشبوهة بكونها حقلا أو جزءا من حقل ألغام.

مكافحة الألغام الأرضية تحتاج مجهودات أكبر

لإزالة بقايا الحروب و مخلفاتها تحتاج الدول و المجتمعات لموارد مالية كبيرة تتكلفها عمليات التوعية بمخاطر الأجسام الحربية، و عمليات الكشف التي تحتاج تقنيات عالية، إضافة إلى عمليات الإزالة نفسها و التي تحتاج جهدا و تدريبا و أجهزة مختصة.

الألغام الأرضية، تذكار الحروب الباقي
ألغام أرضية تم نزع أجهزة التفجير عنها

في الحروب و النزاعات التي يتم الالتزام فيها بقواعد الحرب و الاشتباك تتم زراعة الألغام بواسطة عسكريين مختصين وفق خرائط يتم الاحتفاظ بنسخ منها في أماكن آمنة، بحيث يمكن العودة إليها مع مرور الوقت لاستخدامها عند القيام بإزالة تلك الأجسام، أما في الكثير من حروب العصابات و النزاعات الغير منظمة لا يتم الاهتداء إلى أماكن الألغام التي تمت زراعتها، سواء لموت من زرعوها أو نسيان أماكن زراعتها، فتبقى بانتظار أن يلمسها إنسان أو حيوان فتنفجر.

ارتفاع في عدد ضحايا الألغام الأرضية

خلال عام 2023 كان عدد ضحايا الألغام الأرضية فقط دون بقية أنواع الذخائر غير المنفجرة 1983 ضحية حول العالم، أما في عام 2024 فقد ارتفع العدد ليصل 5700 ضحية، بنسبة ارتفاع عالية في العدد بحسب الحملة العالمية لحظر الألغام الأرضية و تحالف الذخائر العنقودية في تقرير صدر في نوفمبر 2024.

في الكثير من بلدان العالم لا يجري تسجيل كل حالات الوفاة و الإصابة بسبب الألغام، و ذلك يجعل العدد المرصود محل شك تسنده حجة أن الحوادث تقع في مناطق نائية أو أن الأجهزة المختصة لا يتم إبلاغها بالوقائع، لذا فأعداد الضحايا أكبر مما هو معلوم.

ليست الألغام المضادة للأفراد التي تنفجر عند الضغط عليها بوزن 2 كيلوغرام وحدها ما يودي بحياة كل هذه الأعداد من الضحايا؛ فالألغام التي تستهدف المركبات و المصممة لتنفجر تحت ضغط 200 كيلوغرام فأعلى تشكل معها كلية الخطر.

العديد من التشريعات عملت على الحد من مخاطر الألغام الأرضية على المجتمعات، غير أنها تحتاج المزيد من النضال حتى تؤتي الثمار التي يحلم بها المجتمع الإنساني، و من تلك التشريعات اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد 1997، و البرتكول الثاني لاتفاقية الأسلحة التقليدية بشأن حظر أو تقييد استخدام الألغام و الشراك الخداعية و النبائط الأخرى.

الألغام الأرضية .. إحصاءات صادمة في 2025

بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام جاءت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في الرابع من أبريل 2025 صادمة و منبهة إلى حجم الخطر، حيث قال بأن أكثر من 100 مليون شخص حول العالم يواجهون مخاطر الألغام الأرضية و مخلفات الحروب.

و يوافق حديث غوتيريش الأنباء اليومية التي تتحدث عن ضحايا من المدنيين في اليمن و سوريا نتيجة تلك الوحوش الغادرة المخفية.

في رسالته أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن الناس من أفغانستان إلى ميانمار و من السودان إلى أوكرانيا و سوريا تنتشر هذه الأسلحة الفتاكة في الريف و الحضر فتقتل الناس و تعيق التنمية.

القائمون على دائرة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام (أونماس) سبقوا حديث الأمين العام الخميس الثالث من أبريل بتأكيدهم على حقيقة أن الألغام الأرضية و مخلفات الحروب مازالت تسبب الموت و الإصابة بشكل يومي، بعد أكثر من 25 عاما من التوقيع على معاهدة أوتاوا التي تحظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد.

المسؤول في (أونماس) ريتشارد بولتر ذكر أن معدل الضحايا يعادل شخصا واحدا كل ساعة، و الأطفال من بين ضحايا هذه الأسلحة.

الألغام في ليبيا

تقول تقارير البرنامج الخاص بمكافحة الألغام في ليبيا بحسب رئيسة البرنامج فاطمة زريق إن البلاد سجلت ما بين شهر مايو 2020 و بدايات 2025 أكثر من 200 حادث انفجار أنتج 300 ضحية، من بينهم 125 قتيلا.

ذلك في ليبيا وحدها، مما يؤكد أن هذا النوع من الأسلحة إذا ما استمر إنتاجه فسيورث البشرية كارثة أسوأ من كارثة الحرب نفسها، بما فيها من استخدام لكافة وسائل القتل.

خطورة الألغام في غدرها بالإنسان و الحيوانات، و كذا في تنوعها و تعدد أنماط عملها و أشكالها و المواد التي تصنع منها، فمنها الصغير و الكبير و الأسطواني و الدائري و المعدني و البلاستيكي؛ و ذلك ما يدعو فرق التوعية إلى تنبيه المدنيين إلى أن أي جسم غريب غير مألوف قد يكون لغما.

أما الأجسام الحربية الأخرى فقد توجد في المناطق المفتوحة حول المعسكرات السابقة، و بين أنقاض المباني التي تعرضت للقصف، و خطورتها تكمن في أن محاولة تحريكها يؤدي إلى انفجارها، و لهذا فإن مثل هذه المناطق يسبق دخول المدنيين إليها دخول الفرق المختصة بإزالة مخلفات الحرب.

الألغام الأرضية تعيق التنمية و تسبب الموت و الإعاقة.
الألغام بالأرقام

نصائح لتجنب الألغام الأرضية

يوصى دائما باستخدام الطرق و المسالك المأمونة، أي تلك التي يكثر استخدامها، و عدم سلك الطرق و المسارات التي لا يطرقها الناس كثيرا أو تلك التي لم تطرق منذ أوقات بعيدة، كما يوصى بالبعد عن مناطق الحشائش و النباتات حيث يتوقع وجود الألغام، و هي بالطبع ليست قاعدة، فقد تكون الألغام مزروعة في مساحة جرداء خاصة في المسالك الضيقة و عند مداخل المعابر و مصادر المياه.

و على الشخص المدني الابتعاد عن الأجسام من مخلفات الحرب التي يراها، و الالتزام بعدم الاقتراب منها أو محاولة تحريكها أو فحصها، و واجبه هنا هو إبلاغ الجهات المختصة و التي تمتلك الخبرة و الإمكانات الفنية لإزالة الخطر.

مخلفات الحروب هي وجهها الذي يظل موجودا على مدى سنوات طويلة، يُذكِّرُ المجتمعات ببشاعتها، و لكن تكون كل تذكرةٍ مميتةً تصنع مأساةً لأسرة و لمجتمع ربما كان الضحيةُ فيه من جيل لم يشهد الحرب.

استمع

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

قد يعجبك ايضا
2 تعليقات
  1. نزار عبدالله بشير يقول

    عمل صحفي متكامل وتقرير جميل، مشكورين

    1. أسبالتا يقول

      بارك الله فيك، شكرا على التعقيب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.