بقلم: د. أبي عادل القاسم.
في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم؛ من تطور تكنولوجي، و ضغوط اقتصادية، و تغير في أنماط الحياة الاجتماعية، أصبحت مهمة التربية النفسية للأطفال بصورة سليمة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
لم يعد كافياً أن نوفر لهم الغذاء و الملبس و التعليم، بل بات من الضروري أن ننتبه لحاجاتهم النفسية و العاطفية، و نبني داخلهم توازناً عاطفياً يساعدهم على مواجهة الحياة بثقة وثبات.
التربية النفسية السليمة
التربية النفسية السليمة تعني تهيئة بيئة داعمة و آمنة لنمو الطفل النفسي، بحيث تُعزز ثقته بنفسه، و تُساعده على فهم مشاعره و التعبير عنها بشكل صحيح، و تُرسخ بداخله قيم التوازن، و التعاطف، و المرونة في مواجهة التحديات.
الجدير بالذكر أن تهيئة هذه البيئة أصبحت من الصعوبة بمكان لوجود العديد من التحديات من أبرزها:
الانفتاح التكنولوجي:
الهواتف الذكية، و الألعاب الإلكترونية، و مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً من حياة الطفل اليومية، و قد تؤثر على نموه النفسي إذا لم يتم التعامل معها بوعي و توجيه؛ حيث أن كثرة النماذج السالبة على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها أصبح سهل الوصول للأبناء من وصول توجيهات الآباء.

الضغوط الاقتصادية و التربية النفسية:
الأوضاع المعيشية الصعبة قد تُقلل من جودة الوقت الذي يقضيه الوالدان مع أطفالهما؛ ما يخلق فجوة عاطفية و يزيد من شعور الطفل بالقلق و الحزن و الإحساس بالوحدة و توجيه المشاعر إلى قنوات غير صحيحة للأطفال.
التحولات المجتمعية:
تراجع الروابط الأسرية و غياب القدوة الصالحة أحياناً يُصعّب من عملية بناء الشخصية المتوازنة، خاصة في ظل تسرب القيم الغريبة أو المشوشة من الإعلام الاستهلاكي و وسائل التواصل الاجتماعي المختلفه.

المدرسة و الضغوط الأكاديمية:
النظام التعليمي القائم على الحفظ والتنافس أحياناً يخلق ضغطاً نفسياً على الطفل، وقد يُضعف ثقته بنفسه إن لم يلقَ دعماً مناسباً، كمان أن ضغط الأسرة على الأبناء من أجل الحصول على الدرجات يجعل الأبناء في حالة دائمة من التوتر و الخوف من الفشل.
لتجنب وقوع الأبناء في شرك التنشئة السلبية من قبل الآباء يجب أن تقوم التربية على عدة أعمدة أهمها:
الاحتواء العاطفي:
يحتاج الطفل إلى أن يشعر بأنه مقبول و محبوب في كل حالاته، سواء في النجاح أو الفشل.
كلمة “أنا معك” “أنا اسمعك” “لا تقلق يمكننا إنجاز ذلك” تصنع فرقاً كبيراً في صحته النفسية.

الحوار المفتوح:
شارك طفلك الحديث عن مشاعره، استمع له دون حكم، و علمه كيف يُعبّر عن نفسه بوضوح و احترام.
تحديد استخدام التكنولوجيا:
ضع قواعد واضحة، و اختر له محتوى مناسباً، و كن أنت القدوة في استخدام الأجهزة من حيث استخدام الهاتف و الجلسات الأسريه.
تعزيز الثقة بالنفس:
امدح جهده و ليس فقط نتائجه، و اسمح له بالتجربة و الخطأ، فهذا يُنمّي لديه روح المبادرة و الاستقلالية كما يجب البعد عن النقد مهما كان بسيط و مهما كان شكله.
الانتباه للإشارات النفسية:
الانعزال المفاجئ، العدوانية، أو كثرة الشكوى من آلام جسدية دون سبب عضوي، كلها مؤشرات قد تدل على معاناة نفسية تستوجب الملاحظة والتدخل المبكر.
الطفل في هذا العصر لا يحتاج فقط إلى الطعام و التعليم، بل إلى من يُمسك بيده في زحمة الحياة، من يفهم صمته قبل كلماته، و يقوده بثبات في عالم مليء بالتناقضات.
التربية النفسية السليمة ليست رفاهية، بل هي أساس بناء جيل قوي، مرن، و إنساني في عمق مشاعره، و قوي في مواجهته لمشاكل الحياة.
ظلت قضايا التربية شغلا شاغلا للإنسانية منذ بواكير وجودها، ذلك لأثرها على مستقبل الأمم و تطور البشرية، فكم من مصيبة عالمية أحدثها تقصير في التربية، و كم من خير عميم كان سببه إحسان التربية.
د. أبي عادل القاسم الجاك
رقم العيادة الاونلاين واتساب
249116071234+