بقلم: رشا المرضي.
عندما يصبح الجميع صناع محتوى تكون الصورة كما نراها اليوم.
في عصر المنصات الالكترونية المفتوحة يريد الجميع فجأة أن يكونوا صناع محتوى، و في المفهوم العام أنها لا تحتاج إلى مؤهل، بل إلى فكرة واضحة، و بمجرد أن تمسك هاتف بكاميرا و يتوفر إنترنت تصبح مؤثرا أمام جمهور لا يُعد و لا يُحصى، و لكن السؤال الصعب الذي لم يعد يُطرح كثيرًا ما هي الرسالة؟.
الهوس بصناعة المحتوى لم يعد مجرد ظاهرة، بل أزمة قيم تتفاقم يومًا بعد يوم في مختلف المنصات مثل فيسبوك، تيك توك، و إنستغرام.
هذه المنصات لم تعد تروج للأفكار العميقة أو الرسائل الهادفة، بل أصبحت تكافئ المحتوى الخفيف السريع و المثير للجدل، حتى إن كان خاليا من أي مضمون.
خوارزميات هذه المنصات لا تهتم بما تقوله، بل بمدى سرعة انتشارك، و عدد الإعجابات، و حجم التفاعل لا بجودة الرسالة.
دراسة نشرت في مجلة أمريكية توضح أن خوارزمية تيك توك تفضل مقاطع الفيديو القصيرة التي تثير ردود فعل قوية حتى لو كانت مبنية على سلوكيات غير أخلاقية أو سطحية، و مقابلها يواجه صناع المحتوى الجادون صعوبة في الوصول إلى الجمهور لأن المحتوى الهادف لا يُثير الجدل و لا يُضحك على حساب القيم.
و في المجال العربي نشرت منصة أراجيك تقارير تشير إلى أن المحتوى والمقصود الترند في العالم العربي أصبح أقرب إلى التهريج مدفوعًا برغبة سريعة في الشهرة و الربح حتى لو كان الثمن هو تسليع الإنسان، و نشر التفاهة و تهميش العقول المفكرة.
هذا الانزلاق نحو الانتشار من أجل الانتشار خطر و خاصة على الأطفال و المراهقين الذين بدأوا يتقمصون شخصيات فارغة بحثا عن اللايكات دون وعي بالعواقب أو إدراك للفرق بين التأثير الحقيقي و الإثارة اللحظية.
صناعة المحتوى ليست مجرد تصوير فيديو أو تسجيل صوتي، بل هي مسؤولية أخلاقية و ثقافية و إنسانية.
كل كلمة تقال و كل فكرة يتم بثها و كل موقف يعلن قد يترك أثرا في شخص ما أو يعيد تشكيل وعي جيل كامل.
هذه رسالة إلى من قرر الدخول هذا المجال، قبل أن تضغط زر النشر اسأل نفسك بصدق هل ما ستقدمه سيضيف شيئا للمجتمع ؟ أم أنك مجرد رقم جديد في ضجيج لا ينتهي؟.