إبراهيم الكاشف، صبي النجار الذي لم يعزف آلة موسيقية، كيف غير شكل الأغنية السودانية
لن يجتاز متحدث عن الغناء السوداني محطة الفنان الرائد إبراهيم الكاشف، ليس لصوته الفريد و مِكْنة التلحين التي حازها فقط، إنما لأثره الباقي و عمله التأسيسي في مسيرة الأغنية السودانية.
تذكر المراجع أن الكاشف هو أول من غير شكل الأغنية و تركيبها بحيث أصبحت ذات بناء مختلف و متجانس في ذات الوقت، فلا يردد اللحن ما يؤديه المغني، فيما عرف بالغناء السيمفوني، الذي جانب الشكل التقليدي الذي كان سائدا.
عمل الكاشف في بواكير حياته صبيا في ورشة نجار، و لعل تلك المطارق الطارقة على الخشب لتصنع منه فن صياغة الأثاث و الديكور قد طرقت داخل الصبي أبواب الفن و رتبت شيئا داخله.
يقول الكاتب الصحفي و المؤلف معاوية حسن يس إن الكاشف تلقى التكريم و التقدير من جمهور الفن لموهبته الفطرية، فقد حمل العامة سيارة الكاشف على الأعناق بعد إحدى حفلاته الساهرة إلى محطة البنزين حتى يتم تزويدها بالوقود الكافي لتوصيله.

السيرة الذاتية للفنان إبراهيم الكاشف
رأى الفنان إبراهيم أحمد أبو جبل أو إبراهيم الكاشف النور بمدينة ود مدني وسط السودان في أحد الأعوام التي تلت 1910، و لم يتلق تعليما نظاميا، بل اتجه منذ صباه إلى ممارسة مهن مختلفة من بينها الصياغة و الزراعة و النجارة.
يقول الباحث معاوية يس إن الكاشف تخصص في صناعة ” السحارات” و مفردها سحَّارة، و هي صندوق خشبي مطعم بالصفيح المنقوش، و كان دولاب العرائس في ذلك الوقت.
لم يكن مكان عمل الكاشف بعيدا عن دكان الترزي الذي اشتهر كواحد من أبرز شعراء الأغنية علي المساح، و قد تأثر الكاشف بخاله الذي كان راويا للدوبيت.
بحسب ياسين الذي أفرد للفنان مساحة معتبرة من البحث و التقصي فإن الكاشف الذي رباه جده لأمه لم تكن جدته راضية عن اتجاهه الفني، فكثيرا ما بحثت عنه أثناء الليل و ضربته أمام الناس عندما تجده يؤدي الغناء، و كثيرا ما اعتبر داخل الأسرة بأنه شخص “سيئ الأخلاق”، و ذلك ما حرمه من تلقي التعليم لأنهم يعتبرونه “صائع لا فائدة من بذل الجهد في تعليمه”.

إبراهيم الكاشف بدأ مسيرته الفنية ك “كورس”
بدأ الكاشف مسيرته الفنية كورس خلف الفنان مصطفى بايا، ثم المطرب الشبلي، و قد اتصل كثيرا بالمطرب الحاج محمد أحمد سرور الذي أخذ بيده و علمه الكثير.
في 1936 كان الكاشف قد اكتمل نجما غنائيا بمدينة ود مدني، و أدى أغنية ” إنت نجم السماء في صفاك”، من كلمات علي المساح، بحفل نادي النيل ذلك العام.
و مع الطفرة التي أحدثها إبراهيم الكاشف على الأغنية السودانية و التغيير الكبير الذي أجراه إلا أنه من فناني عصر الحقيبة، و له أغنيات مسجلات تشهد بذلك و قد أداها بمصاحبة آلة الرق.
إبراهيم الكاشف فنانا قوميا
تشير أغلب المراجع و المهتمين بالتوثيق للحياة السودانية إلى أن الفنان إبراهيم الكاشف قدم الخرطوم و استقر بها نحو العام 1931، و في إحدى ليالي يونيو 1940، بعد افتتاح الإذاعة السودانية بشهرين طلب منه مراقب الإذاعة وقتها حسين طه زكي التغني أمام مايكرفون الإذاعة، فانطلق إلى ما انطلق إليه و بلغ ما بلغ بحسب ياسين.
حقائق عن الفنان إبراهيم الكاشف
بالرغم من اسهامه الكبير في عبور الأغنية من عصر حقيبة الفن إلى الأغنية الآلية الحديثة إلا أن الفنان إبراهيم الكاشف لم يعزف أي آلة موسيقية، لكنه كان ملحنا بارعا يقوم بتحفيظ الفرقة الموسيقية ألحانه ليتم تقديمها عبر الإذاعة.
و رغم أنه لم يتلق تعليما، إلا أن الكاشف كان سريع الحفظ، حيث يستمع إلى القصيدة الغنائية و سرعان ما يبأ بتلحينها فتخرج كما نستمع إليها في الإذاعة.
شعراء تعامل معهم الفنان إبراهيم الكاشف
بحسب الباحث معاوية يس فقد قدم الفنان إبراهيم الكاشف 68 أغنية كلها من ألحانه للشعراء عبيد عبد الرحمن، و سيد عبد العزيز، و السر أحمد قدور، خالد أبو الروس، عبد المنعم عبد الحي، طه حمدتو، إسماعيل خورشيد، علي المساح.
أشهر أغنيات الفنان إبراهيم الكاشف
أنا يا طير بشوفك، الليل ما بنومو، أذاك يا عيوني، حليل زمن الصبا، الشال منام عيني، فتنت بيه، أنا ما بقطف زهورك، نسيان، رحلة، باسم الحب، إنت عارف أنا بحبك، الليلة لاقيتو، الشوق و الريد، يوم المهرجان، أرض الخير، بدر السما، الشاغلين فؤادي.
توفي الفنان الكبير إبراهيم الكاشف في 1969 تاركا كما وافرا من الكلمات المختارة و الكلمات البديعة التي ما زال الناس يرددونها إلى يومنا هذا كدليل على خلود فنه و أثره الكبير.