أسبالتا

التشوهات النفسية في مرحلة الطفولة وأثرها على تكوين الشخصية

كتب: د. أبي عادل القاسم.

التشوهات النفسية في مرحلة الطفولة من أسباب الكثير من كوارث اليوم.

تمثل مرحلة الطفولة اللبنة الأولى في بناء شخصية الإنسان، حيث تتشكل فيها الملامح النفسية و الاجتماعية و الانفعالية التي ترافق الإنسان طيلة حياته.

و تعد التشوهات النفسية التي يتعرض لها الطفل خلال هذه المرحلة من أخطر المؤثرات السلبية، إذ تزرع بذور القلق، و الاضطراب، و فقدان الثقة؛ ما يؤدي إلى تكوين شخصية غير متزنة أو قابلة للانكسار بسهولة في مواجهة صعوبات الحياة.

التشوهات النفسية في مرحلة الطفولة
التعنيف من أسباب التشوهات النفسية

أولاً: التشوهات النفسية في مرحلة الطفولة – المفهوم و المظاهر

تعرف التشوهات النفسية بأنها مجموعة من الخبرات السلبية أو الصدمات النفسية التي تؤثر في نمو الطفل العاطفي و الانفعالي و المعرفي، و تؤدي إلى خلل في إدراكه لذاته و للعالم من حوله.

و تتنوع هذه التشوهات بين الإهمال العاطفي، التعنيف اللفظي أو الجسدي، التمييز بين الأبناء، الضغط الأكاديمي المفرط، أو الإفراط في الحماية.

و يؤكد د. مازن الغزالي استشاري الطب النفسي، أن “كل تجربة نفسية مؤذية في الطفولة تترك ندبة في الجهاز النفسي، قد لا تظهر فوراً، لكنها تؤثر لاحقاً في طريقة تعامل الفرد مع مشاعره ومع الآخرين”.

ثانياً: مصادر التشوهات النفسية

تشير الدراسات النفسية إلى أن 80% من التشوهات النفسية عند البالغين ترجع إلى تجارب الطفولة المبكرة، بحسب ما ورد في تقرير لمنظمة الصحة العالمية عام 2023.

الأسرة، بوصفها البيئة الأولى التي يحتك بها الطفل، تمثل المصدر الأساسي لهذه التشوهات؛ فعندما تسود العلاقة بين الطفل و والديه أنماط من الرفض، أو المقارنة، أو النقد المستمر، أو حتى التدليل المفرط، تتزعزع منظومة الأمان الداخلي لديه.

و تقول الأخصائية النفسية سمر الديب: “الأبوان لا يصنعان شخصية الطفل بالكلمات التي يقولانها له، بل بالرسائل النفسية التي يرسلها سلوكهم نحوه يومياً”.

و لا يقل دور المدرسة أهمية، إذ يمكن أن تعزز من التشوهات أو تسهم في معالجتها؛ فبيئة مدرسية تفتقر إلى الاحتواء، أو تمارس فيها أشكال من التنمر، تعمق الشعور بعدم الانتماء و تقلل من احترام الطفل لذاته، كما تسهم الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية؛ كالفقر، و الطلاق، و التهجير، في اضطراب النمو النفسي السليم للطفل.

ثالثاً: أبرز أنواع التشوهات النفسية في مرحلة الطفولة

تتنوع التشوهات النفسية التي يتعرض لها الطفل، وتُخلّف أنماطاً مختلفة في الشخصية، من أبرزها:

  • الخوف من الفشل أو الرفض:

غالباً ما ينشأ عند الأطفال الذين رُبطت محبة أهلهم لهم بالنجاح أو الكمال، فيكبرون و هم يشعرون أنهم “ليسوا جيدين بما فيه الكفاية”.

  • تدني احترام الذات:
    و يظهر عند الأطفال الذين تعرضوا للنقد أو المقارنة القاسية، فيُكوّنون تصوراً سلبياً عن أنفسهم.
  • القلق المزمن واضطرابات النوم:
  • نتيجة لتجارب مبكرة من الحرمان أو التهديد أو الشك.
  • الانسحاب الاجتماعي أو العدوانية:

كأشكال دفاعية يتبناها الطفل لحماية ذاته من الأذى الخارجي.

و بحسب دراسة نُشرت في مجلة Child Development عام 2022، فإن الأطفال الذين تعرضوا لصدمات نفسية في الطفولة كانوا أكثر عرضة بنسبة 60% للإصابة بالاكتئاب و اضطرابات القلق في سن المراهقة والبلوغ.

رابعاً: أثر التشوهات النفسية على الشخصية مستقبلاً

التشوهات النفسية لا تتلاشى بانتهاء مرحلة الطفولة، بل تترسخ في البنية العميقة للشخصية.

في مرحلة البلوغ، قد يُظهر الفرد المصاب أعراضاً مثل:

  • صعوبة في تكوين علاقات مستقرة.
  • شك دائم في نوايا الآخرين.
  • تقلبات مزاجية حادة أو عدم قدرة على ضبط الانفعالات.
  • انسحاب اجتماعي أو إحساس عميق بالذنب أو عدم الاستحقاق.

و في حالات أكثر تعقيداً، قد تتطور هذه التشوهات إلى اضطرابات شخصية مثل اضطراب الشخصية الحدية أو التجنبية، ما يتطلب تدخلاً علاجياً متخصصاً.

خامساً: كيف نقي أطفالنا من التشوهات النفسية؟

الوقاية تبدأ من الوعي العائلي بأهمية الصحة النفسية، ومن أهم التوصيات التي يقدمها المختصون:

  • الاستماع للطفل بجدية:
  • منح الطفل المساحة للتعبير عن مشاعره دون خوف من التهديد أو التوبيخ.
  • الحوار بدلاً من الأوامر:

غرس القيم عن طريق النقاش و ليس بالفرض.

  • احتضان الفشل كجزء من النمو:

تعليم الطفل أن الخطأ ليس نهاية العالم بل خطوة نحو التعلم.

  • توفير بيئة آمنة و مستقرة:

من حيث الحب غير المشروط، و الانتباه، و الدعم.

كما يُوصى بأن تحتوي المدارس على مرشدين نفسيين مختصين، لرصد الحالات النفسية مبكراً، و تقديم الدعم اللازم.

و تشير منظمة اليونيسيف إلى أن “كل دولار يُنفق على الصحة النفسية للأطفال يوفر لاحقاً 4 دولارات كانت ستنفق على علاج المشكلات الناتجة عن الإهمال النفسي”.

التشوهات النفسية في مرحلة الطفولة
التعامل العنيف مع الأطفال يدخلهم في مشكلات نفسية عميقة

خاتمة
لا يمكن بناء شخصية سليمة في بيئة مليئة بالصراخ، و التهديد، و التجاهل العاطفي، فالتشوهات النفسية لا تُمحى مع الوقت، بل تحتاج إلى وعي و تدخل ممنهج، و من هنا، تبرز أهمية أن يُعامل الطفل باحترام، و يُربى في كنف من الحب غير المشروط، لأن كل ما يُزرع في الطفولة، ينبت في الشخصية مستقبلاً، إما زهراً معافى، أو ندوباً يصعب التئامها.

بقلم:
أبي عادل القاسم الجاك
اختصاصي ومعالج نفسي
رقم العيادة الأونلاين
249116071234+

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.