كتبت: إكرام مجتبى حيدر.
بالنظر إلى السنوات الأخيرة الماضية نرى الدور المحوري الذي تلعبه المراكز العربية في ألمانيا، في جوانب تعزيز الهوية و التبادل الثقافي و التواصل بين الثقافات.
لا يمكننا اعتبار هذه المراكز أماكن للتلاقي بين أفراد الجالية، أو أماكن لأداء العبادات الدينية فقط لكونها مؤسسات تقدم الكثير في الميادين المختلفة.
المراكز العربية في ألمانيا تخدم التعليم و اللغة و الدين و الثقافة، إضافة إلى الاندماج الاجتماعي الذي يمثل تحديا بارزا في مسيرة كل مهاجر إلى الغرب.
هذه المقالة تستعرض أهمية المراكز العربية في ألمانيا، و أنواعها، و أبرزها في تقديم الخدمات، و الدور المحتمل لها إذا ما جرى توسيعها و تعزيز نشاطها.
المراكز العربية في ألمانيا.. مفهومها في سياق المكان
عندما تذكر المراكز العربية في ألمانيا فإن المقصود هو مؤسسات تعنى بالعرب و الناطقين باللغة العربية، و تضم طيفا واسعا من الأشكال و الاختصاصات من بينها:
- المراكز الفنية و الثقافية المعنية بتنظيم الفعاليات الأدبية و المسرحية و الموسيقية و السينمائية و التشكيلية.
- المراكز التعليمية و المهتمة باللغات و الألسن، و هي المختصة في تعليم اللغة العربية و الثقافات العربية لكافة الأعمار.
- المراكز الدينية و يمثلها نسيج واسع من المؤسسات في مقدمتها المساجد و المراكز الإسلامية.
- المراكز الأهلية الداعمة للمجتمع العربي اجتماعيا، و التي تقوم بأدوار فاعلة في مجالات التواصل الاجتماعي و دعم الهوية و الاندماج و الإعلام.
أهمية المراكز العربية في ألمانيا
يمكننا أن نضع قائمة بأهم ما تمثله المراكز العربية في ألمانيا:
1/ تعمل هذه المراكز من خلال نشاطاتها و فعالياتها على المحافظة على الهوية الثقافية و اللغة لدى المهاجرين إلى الغرب، و هي تمثل الرباط القوي بين الشخص و الوطن، و تقدم خدمات جليلة للأطفال الذين قدموا ألمانيا و هم في سن باكرة أو ولدوا فيها من خلال تعليمهم اللغة العربية.
2/ تعد المراكز العربية في ألمانيا جسرا قويا للتثاقف و بناء صورة ذهنية حقيقية للإنسان العربي لدى المجتمع الألماني، و يتحقق ذلك من خلال إقامة الفعاليات المشتركة.
3/ تعزيز الاندماج، و هو أكبر تحديات المهاجر، حيث تعمل هذه المراكز على مساعدة المهاجر للحصول على مهارات التواصل مع المجتمع الألماني أو الحصول على وظيفة من خلال تعليمه اللغة الألمانية و تقديم النصح القانوني و التعبير عن الهوية.

أبرز المراكز العربية في ألمانيا
هنا نستعرض دون حصر أبرز المراكز العربية في ألمانيا:
- مركز المسرح العربي و التعدد الثقافي:
هو مركز غني بالنشاط، موقعه برلين، و هدفه التبادل المسرحي بين الدول العربية و ألمانيا، و يخدم اللاجئين و المهاجرين بإتاحة الفرصة للتعبير عن أنفسهم.
- البيت الثقافي العربي:
أحد أبرز المراكز العربية في ألمانيا، و يعرف أيضا ب “الديوان“، و يتخذ من برلين مقرا، برعاية كريمة من دولة قطر.
يعمل المركز على تعريف المجتمعات بالثقافة العربية متخذا المسرح و الموسيقى و المكتبات و السينما وسيلة لذلك.
- المساجد و المراكز الإسلامية:
بجانب العبادة تقوم المساجد و المراكز الإسلامية في ألمانيا بخدمات علمية و اجتماعية، و على رأس تلك المراكز مركز الثقافة الإسلامية في فرانكفورت.

أبرز التحديات التي تواجه المراكز العربية في ألمانيا
يأتي التمويل و الاستدامة في مقدمة التحديات التي تواجه المراكز العربية في ألمانيا، فالعديد من المراكز تعتمد على ما يقدم لها من دعم حكومي أو من منظمات عربية أو تبرعات الأفراد، الأمر الذي يؤخر قيام الأنشطة و يقف حجر عثرة أمام الاستمرار.
كما تمثل القوانين الوطنية في ألمانيا تحد آخر، فالمعرفة التامة بالقوانين الخاصة بالجمعيات و الأوقاف و التراخيص و الضرائب تشكل أهم ركائز إقامة مثل هذه المراكز و استمرار نشاطها.
و من التحديات التي تواجه المراكز العربية في ألمانيا الصعوبة في إيجاد النشاطات التي تقدم باللغتين العربية و الألمانية، و هو كما نعلم من أهم ما يجب بشأن التفاعل مع المجتمع الألماني.
هناك صورة نمطية مختزنة عند البعض بشأن هذه المراكز، و ترتبط بالدين فقط أو التطرف أو الهجرة، و هذا تحد آخر، حيث يدفع القلق من الإرهاب الحكومة لمراقبة نشاط المراكز.
و يمثل النشاط الجاذب واحدا من أبرز التحديات، إذ يجب أن تعمل المراكز دائما على تقديم أنشطة لا تجذب الناطقين بالعربية فقط، و إنما تجذب غيرهم سواء كانوا من المجتمع المستضيف أو غيرهم.

آفاق تطوير المراكز العربية في ألمانيا
هذه عدة مقترحات و سبل يمكن أن توصل المراكز العربية في ألمانيا لآفاق التطور و التوسع في النشاط و الأثر:
- يمكن للمراكز العربية توقيع الشركات المثمرة مع المعاهد الثقافية و الجامعات و المسارح الألمانية و البلديات و هو ما يمكن تلك المراكز من استهداف قاعدة أكبر من الجمهور و تلقي دعم كبير.
- يمكن للمراكز العربية الاعتماد على مصادر تمويل متعددة مثل التبرعات و الدعم الحكومي و الفعاليات المدفوعة و أنشطة يرعاها المستثمرون.
- يمكن للمراكز تقديم الفعاليات باللغتين العربية و الألمانية لجذب قاعدة أكبر، كما يمكنها أن تهتم أكثر بالمجالات الجاذبة مثل الموسيقى و المسرح و الأدب و المعارض التشكيلية، و التي تجذب الجمهور و الإعلام على حد سواء.
تظل دائما فرص النجاح قائمة لأن تكون المراكز العربية في ألمانيا جسورا للسلام و التواصل بين الشعوب من خلال حوار الثقافات و تعزيز الاحترام المتبادل، و تعريف المجتمع الألماني بالعادات العربية.
ما تنتظره المراكز العربية من الحكومة الألمانية
بإمكان الحكومة الألمانية سواء كانت على المستوى الاتحادي أو البلدي تقديم خدمات مؤثرة للمراكز العربية في ألمانيا و منها:
- سن القوانين الداعمة لتكوين الجمعيات الثقافية و الدينية و مراعاة أوضاع هذه الجمعيات عند فرض الرسوم.
- تسهيل تقديم التراخيص للمباني الثقافية، بجانب تقديم الدعم المالي.
ختاما
بالنسبة للكثيرين الذين بعدت الشقة بينهم و أوطانهم تعد المراكز الثقافية ترياقا و يدا تشد من عضد المهاجر الذي يعد هو الآخر سفيرا لشعبه بين الشعوب، و لهذا فإن تطوير المراكز العربية في ألمانيا يعتبر أمرا ملحا يهم الجميع بمن فيهم المجتمع المحلي نفسه ما دامت الرسالة هي السلام و التلاقي الإنساني.