- يحصد منتجو المحتوى الهابط أرباحا كبيرة بسبب اعتماد سياسة الربح بحجم التفاعل
منذ سنوات مضت و شبكة الإنترنت تمثل ساحة مفتوحة و واسعة لكل أشكال المحتوى، فنرى الفيديوهات و المقالات و المقاطع الترفيهية و كذلك المحتوى الذي يخاطب الغرائز أو يقدم محيطا من الخواء فيما يعرف ب “المحتوى الهابط”.
و مع أن منصات الإعلانات الرقمية تهيمن بشكل شبه كامل على الإعلانات الرقمية يبرز السؤال المهم: هل تشجع الإعلانات منتجي المحتوى الهابط على الاستمرار و تقديم المزيد؟.
هذه المقالة تتناول العلاقة بين الإعلانات و المحتوى، لبيان تأثير كل من الإعلانات و اتجاهات الجمهور على ما يقدم على شبكة الإنترنت.
ما هو المحتوى الهابط ؟
يعد المحتوى هابطا عندما لا يحتوي على قيمة معرفية أو أخلاقية، بمعنى أن المحتوى عندما يكون سطحيا و يركز على الإثارة الآنية مثل تعمد إثارة الجدل و مواضيع البحث عن الشهرة من خلال سب الآخرين و نشر الفضائح و التضليل فإنه يعتبر محتوىً هابطا، و يلاحظ أن هذا النوع من المحتوى يجذب جمهورا كبيرا لمشاهدته بل و للدفاع عنه و لكنه في الواقع لا يقدم أيا من الفوائد لذلك الجمهور المتلقي.
كيف تعمل الإعلانات ؟
لفهم علاقة الإعلانات بالمحتوى يتحتم علينا فهم آلية عمل الإعلانات الرقمية، حيث تعتمد منصات الإعلانات على خوارزميات تربط الإعلانات بالمحتوى الذي يجد التفاعل من الجمهور، و ذلك لأغراض تجارية بحتة ترفع العائدات كلما ارتفع عدد المشاهدات.
و تعتمد طريقة الدفع لمنتجي المحتوى في المعتاد على عدد النقرات و عدد مرات الظهور، و هذا كله يرينا أن الجودة ليست أساسا لارتفاع عائدات الإعلانات بقدرما يؤثر على ذلك عدد الزوار و عدد مرات ظهور الإعلان أمام جمهور حقيقي.
لماذا يستفيد المحتوى الهابط من الإعلانات ؟
يحقق المحتوى الهابط دخولا كبيرة لمنتجيه بفضل عدد من النقاط التي يتفوق فيها بطبيعته المثيرة و هي:
1/ الفضول:
الجمهور دائما ما تجذبه المواد المثيرة للجدل و الخارقة للعرف أكثر من المواد الجادة و تلك التي تقدم المعلومات الموثوقة و الحقائق.
2/ العناوين المثيرة:
يستخدم صانعو المحتوى الهابط تقنية العناوين الحاثة على النقر، و التي ترفع بشكل كبير عدد زيارات الموقع أو الصفحة دون النظر على إضرار ذلك بمصداقيتهم مستقبلا.
3/ بساطة الإنتاج:
المحتوى الهابط لا يتطلب إنتاجُه مجهودا في البحث العلمي المسبق، و الإعداد الجيد، و ذلك يساعد المنتج في تقديم محتوى كثيف واسع الانتشار في وقت وجيز.
4/ ارتفاع الأرباح:
بجاذبيته الغير طبيعية تزداد سريعا أرباح صانع المحتوى الهابط ، مما يشجعه على إنتاج المزيد من المحتوى بذات النسق.
هل تعد الإعلانات سببا في انتشار المحتوى الهابط ؟
الإجابة نعم، ذلك بدعمها غير المباشر للمحتوى الهابط عن طريق تبنيها سياسة دعم المحتوى كثيف التفاعل، و هي السياسة التي تشجع منتجي المحتوى الهابط على الاستمرار.
بالطبع الإعلانات لا تصنع المحتوى الهابط و لكنها تدعمه بشكل كبير و تحفز منتجيه.
دور الجمهور في انتشار المحتوى الهابط
يبدو أن السؤال الجدلي القديم الذي لازم وسائل الإعلام الجماهيري قد انتقل إلى ساحة الإنترنت أيضا: هل ينبغي على الإعلام أن يقود اتجاهات الجمهور و يصنعها أم أن دوره فقط هو مقابلة اتجاهات الجمهور الموجودة بالتلبية ؟.

في كل الأحوال يظل الجمهور هو العامل الأهم في تحديد اتجاهات التلقي الإعلامي باعتباره أحد أطراف العملية الاتصالية، بل و هو الطرف الذي يقوم من أجله الاتصال، و لهذا فإن الإعلانات تعرض على الصفحات بناءا على اختيارات الزوار و المشاهدين، و كل نقرة على مادة بغض النظر عن جودتها تعطي الخوارزميات إشارة بأن الجمهور يحب هذا المحتوى، فتعلي ترتيبه و تعرض عليه المزيد من الإعلانات.
استمرار الجمهور في تلقف المحتوى الهابط يعني المزيد من انتشاره، و لهذا يوصى بتجاوز المحتوى الهابط و عدم التعليق عليه و بالتالي دعمه.
المنصات الإعلانية تحارب المحتوى الهابط
مع تنامي الظاهرة و أصوات الاحتجاجات استجابت الشركات الكبيرة لدعوات أهمية الحد من المحتوى الهابط، فنجد “يوتيوب” مثلا يمنع عرض الإعلانات على المقاطع التي تحتوي العنف أو تمجده، أو تعرض محتوى جنسيا أو خادشا للحياة، مع قيود أخرى على المحتوى الموجه للأطفال.

كما أن فيسبوك يعمل عبر آليات مختلفة على منع انتشار الشائعات و الأخبار المضللة بالرغم من أن تلك الآليات ما زالت لا تفرق بين الكناية و الحقيقة.
أما منصة الإعلانات الأشهر “جوجل أدسنس” فتفرض سياسات مقيدة و صارمة على المواقع التي تنشر الأخبار المضللة أو تلك التي تنشر المحتوى الجنسي.
كيف يمكن تشجيع المحتوى الجيد على حساب المحتوى الهابط ؟
أول المطلوبات في هذا المنحى هو تغيير معايير عرض الإعلانات بحيث لا تعتمد فقط على عدد النقرات بل على جودة المحتوى أيضا، مع دعم المحتوى الهادف بواسطة الشركات التي تريد ارتباط علامتها التجارية بالمحتوى الجيد.
و يمكن تشجيع المحتوى الجيد من خلال الدعم المباشر من الجمهور لصناع المحتوى الجيدين الذين يقدمون المحتوى القيم و المفيد، مع تعليم و توعية الجمهور للتفريق بين المحتوى الجيد و المحتوى الهابط.
ختاما
ليس من الصواب اتهام الإعلانات بشكل مطلق بكونها السبب في انتشار المحتوى الهابط، بيد أنها تلعب دورا محوريا و مؤثرا في انتشاره و ذيوعه من خلال اعتمادها على عدد الزيارات، و على تلك المنصات مراجعة سياساتها تشجيعا للمحتوى الجيد و محاربة للمحتوى الهابط، و التزاما بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الإنسانية و المجتمع البشري.
و على الشركات المعلنة أن تهتم باختيار أين تضع الإعلانات التي تخصها، كما أن الجمهور هو الذي بإمكانه تغيير المعادلة المختلة من خلال وعيه بالمحتوى الذي يقبل عليه.
و تلك هي المعالجات التي يمكنها تحويل الإعلانات من داعم أساسي للمحتوى الهابط إلى أداة لتشجيع الإبداع و تقديم المحتوى الجيد و المفيد.