تقارير و مقالات

تراوري وسانكارا .. حكاية زعيمين جمعتهما الكرامة وفصل بينهما الزمن

مقارنة بين توماس سانكارا وإبراهيم تراوري: عودة الروح الثورية إلى بوركينا فاسو
  • هل عادت الروح السانكارية إلى بوركينا فاسو

يثور منذ اعتلاء إبراهيم تراوري سدة الحكم في بوركينا فاسو في 2022 الجدلُ داخل أفريقيا وخارجها حول عودة روح سانكارا الى الواجهة السياسية الأفريقية.

بينما مات سانكارا قبل نحو 30 عاما لا يزال اسمه يمثل في بوركينا فاسو و أفريقيا على وجه العموم علامة للكرامة والثورة والسيادة والاستقلال الأفريقي.

الآن بدت سياسات إبراهيم تشي بأنه يسير على خطى سانكارا، ولكن هذه المرة يختلف المسرح الدولي والإقليمي!، وهو ما يستدعي رؤية مختلفة لطبيعة السياسات والقدرة على تنفيذها.

تراوري وسانكارا.. فجوة زمنية وتشابه في الاتجاهات

رأى العسكري البوركيني توماس سانكارا النور في 1949، و حل على هرم السلطة بانقلاب عسكري قاده في 1983، بداعي المساواة الاجتماعية و التحرر الوطني، والتحرر من تبعية الغرب.

و خلال 4 أعوام غير الكثير في البلد الأفريقي الرازح حينها تحت خط الفقر والأمية، فقد استطاع أن يحدث ثورة اجتماعية وفكرية هي الأولى من نوعها و الأقوى في تأثيرها على مر تاريخ البلاد.

أبدل توماس سانكارا اسم بلاده من “فولتا العليا” إلى “بوركينا فاسو”، وعني الاسم الجديد “أرض الرجال الشرفاء”، وشجعت سياساته الاكتفاء الذاتي بهدف الاستغناء عن الخارج، كما شجع المشاريع التنموية في البلاد، وكانت له سياساته الداعمة للمرأة.

ونال سانكارا العداء من القوى التقليدية داخل البلاد بسبب تضييقه على الفساد، ونال كذلك نقمة الكثيرين في الخارج، بسبب عدائه للقوى الإمبريالية، فتم اغتياله خلال انقلاب قاده صديقه “بليز كومباوري” في عام 1987.

بعد عامين من موت سانكارا ولد إبراهيم تراوري.

الظروف التي صعد فيها تراوري

سوَّق إبراهيم ومؤيدوه انقلابهم العسكري في 2022 بأنه جاء من أجل إنقاذ البلاد من هجمات الجماعات المسلحة وضعف السلطة المدنية، وهي ظروف كانت حادثة بالفعل، فقد كان الاضطراب الأمني والسياسي قائما.

عندما تسلم تراوري الحكم كان في عامه ال 34، وهو ذات العمر الذي تولى فيه سانكارا الحكم!، وسرعان ما ربط الإعلام الدولي والمحلي بين الرجلين، ليس لسنهما فقط، وإنما للتشابه الكبير بين السياسات التي أعلنها تراوري، وتلك التي سار عليها سانكارا حتى مقتله.

تراوري
توماس سانكارا

أوجه الشبه بين تراوري وسانكارا

كأنما يستدعي روح سانكارا، يتبنى إبراهيم خطابا ثوريا يحث على الانعتاق من التبعية للغرب، ويعلي من شأن الكرامة الوطنية في مقابل المساعدات الخارجية.

ليس ذاك فحسب، إنما قلص الوجود العسكري الفرنسي في بلاده، واستعاض في سياساته الخارجية بتحالف مع روسيا، وتحالفات في المحيط الإقليمي الأفريقي.

في السابق رفض سانكارا القروض المشروطة والمؤسسات المالية الدولية، مناديا باعتماد أفريقيا على نفسها، بيد أن الظروف التي سعى فيها سانكارا لتنفيذ سياساته تختلف على نحو شاسع من الظروف المحيطة بتراوري اليوم.

ظروف الحرب الباردة إبان حكم توماس سانكارا كانت تعطي مساحة للقادة الثوريين المستقلين، و لكن تعدد الأقطاب اليوم يضع تراورى في وضع مغاير، كما أن التحديات الأمنية والاقتصادية متعاظمة.

تواجه بوركينا فاسو اليوم الإرهاب، وتدني الناتج المحلي، وظروف الجفاف، كلها تحديات تعيق المشروع الثوري لإبراهيم تراورى في بلده بوركينا فاسو.

يشترك الرجلان في طريقة التواصل مع الرعايا، حيث كان سانكارا يتحرك في الشوارع مستغلا دراجته النارية، ومرتديا زيا عسكريا بسيطا، وتراورى كذلك يمكن أن يشاهد بين المواطنين والجنود بزيه العسكري المعهود.

ويجمع بين الرجلين الشعور بضرورة أن تتمتع البلاد بالاستقلال الكامل والندية على الصعيد الدولي.

تراوري
إبراهيم تراوري

أوجه الاختلاف بين سانكارا وتراوري

بالرغم من أوجه الشبه المتعددة بين تراوري وسانكارا إلا أن بينهما اختلافات واضحة، فقد بدأ سانكارا مسيرة حكمه بالتنمية الاجتماعية و محاربة الفساد وبناء نموذج اقتصادي محلي، بينما بدأ تراوري بالتركيز على محاربة الإرهاب.

أما الاختلاف الأبرز بين تراورى وسانكارا أن الثاني اجتهد في إحداث ثورة ثقافية شاملة ضد النخبة القائمة في المجتمع، بعكس تراوري الذي يضع في حساباته أهمية وجود التوازنات، حتى لا يحدث الصدام الاجتماعي أو السياسي المفضي إلى الاختلال الأمني وضياع الدولة.

ختاما:

لا يمكننا الفصل قطعا بين مشروعي تراوري وسانكارا، فمشروع الأول هو امتداد لمشروع الثاني، غير أن وسائل التطبيق تختلف باختلاف الظروف الداخلية والدولية المحيطة.

كلا العسكريين طمحا في أن يريا بلادهما مستقلة وذات مشروع وطني قادر على ضمان هذا الاستقلال.

أسبالتا

شبكة أسبالتا الإخبارية (Aspalta News)، منصتكم الأولى لمتابعة آخر أخبار السودان اليوم على مدار الساعة. نقدم تغطية شاملة وموثوقة للأحداث السياسية، الاقتصادية، الرياضية، والثقافية، بالإضافة إلى تقارير حصرية وتحليلات معمّقة تساعدكم على فهم المشهد السوداني والعالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى