 
						- هناك أسباب متنوعة من الإحباط منها العميق
كتب: د. أبي عادل القاسم.
يُعدّ الإحباط أحد أكثر المشاعر الإنسانية شيوعاً، وربما من أكثرها تأثيراً في مسار حياتنا النفسية والعملية والاجتماعية.
لا يمرّ إنسان دون أن يختبره في مرحلة ما، سواء كان ذلك نتيجة فشل في تحقيق هدف، أو خيبة أمل في علاقة أو نتيجة ظروف خارجة عن إرادته.
الإحباط ليس مجرد شعور عابر بالحزن أو الغضب، بل هو حالة نفسية مركّبة تمسّ جوانب الإدراك، والعاطفة، والسلوك، وقد تكون نقطة تحوّل إمّا نحو النمو والتعلّم، أو نحو الاستسلام والانكسار.
ما هو الإحباط؟
في علم النفس، يُعرَّف الإحباط (Frustration) بأنه حالة من التوتر والانزعاج تنشأ عندما يُعيق أمرٌ ما إشباعَ حاجة أو تحقيقَ هدفٍ يسعى إليه الفرد.
بمعنى آخر، هو الصراع الداخلي بين “ما أريد أن أفعله” و“ما لا أستطيع فعله” لأسباب داخلية أو خارجية، وقد يظهر في شكل غضب، أو انسحاب، أو فقدان للحماس، أو شعور بالعجز.
الإحباط ليس بالضرورة أمراً سلبياً في ذاته، فهو بمثابة جرس إنذار يخبرنا أن شيئاً في حياتنا لا يسير كما يجب، لكنه يصبح خطراً عندما يتحول من تجربة عابرة إلى حالة مستمرة من العجز واليأس، تضعف الإرادة وتشوّه الصورة الذاتية للإنسان.
أنواع الإحباط
- الإحباط الخارجي:
 يحدث عندما تعترض البيئة الخارجية طريق الفرد نحو هدفه؛ كالفشل في الحصول على وظيفة رغم الكفاءة، أو تعطّل مشروع بسبب ظروف اقتصادية، أو رفض من شخصٍ مُحبّ.
هذا النوع غالباً ما يرتبط بعوامل لا يمكن السيطرة عليها بشكل كامل.
- الإحباط الداخلي:
 ينشأ من داخل الفرد نفسه، كالصراعات النفسية، أو ضعف الثقة بالذات، أو الخوف من الفشل، أو المعتقدات السلبية التي تحدّ من قدرته على المحاولة.
وهو الأخطر، لأن العائق فيه نفسيٌّ أكثر منه واقعي.
- الإحباط التراكمي:
 يحدث حين تتكرر خيبات الأمل الصغيرة دون معالجة، فتتراكم تدريجيًا إلى أن تُشكّل عبئاً نفسياً ضخماً، يثقل المشاعر ويقود إلى الانسحاب من المحاولة أو الدخول في حالة اكتئابية.

الأعراض النفسية والسلوكية للإحباط
الإحباط لا يظهر دائماً في شكل واحد، بل يتجلى في أنماط متعددة، منها:
- الشعور الدائم بالتعب الذهني أو الانهاك العاطفي.
- فقدان الحماس أو الدافعية تجاه الأهداف السابقة.
- سرعة الغضب والانفعال لأسباب بسيطة.
- تكرار الحديث السلبي عن الذات أو الشعور بعدم الكفاءة.
- الانسحاب الاجتماعي أو الميل إلى العزلة.
- اضطرابات في النوم أو الشهية.
- الميل للمقارنة بالآخرين والشعور بالنقص.
تُعتبر هذه العلامات مؤشرات على أن الفرد يحتاج إلى “استراحة نفسية” لمراجعة أهدافه وطريقته في التعامل مع التحديات.
الأسباب النفسية العميقة للإحباط
من منظور علم النفس، لا ينشأ الإحباط فقط من المواقف الصعبة، بل من تفسيرنا الذاتي لها، فالشخص الذي يرى الفشل كدرس، سيخرج من التجربة أقوى، بينما من يراه دليلاً على العجز، سيغرق في الإحباط.
ومن أبرز الأسباب العميقة:
- توقعات غير واقعية: حين يرفع الإنسان سقف التوقعات دون مراعاة الواقع أو إمكانياته، يصبح الفارق بين “المتوقع” و“المتحقق” مصدراً دائماً للإحباط.
- الخبرات السابقة المؤلمة: فالتجارب السلبية في الطفولة أو المراهقة تخلق نمطاً داخلياً يجعل الفرد يستسلم بسرعة لأي إخفاق.
- ضعف المهارات في التعامل مع الفشل: فبعض الأشخاص لم يتعلموا كيف يتعاملون مع الرفض أو الخسارة، فيرونها كضربة لهويتهم وليس كحدث عابر.
- الضغوط الاجتماعية: مثل المقارنة المستمرة بالآخرين، أو محاولات إرضاء الجميع، أو الخضوع لتوقعات المجتمع بدلاً من الرغبات الذاتية.
الإحباط من زاوية التحليل النفسي
يرى علماء النفس التحليلي، مثل فرويد، أن هذا الشعور قد يكون نتاج صراع بين الدوافع والرغبات اللاواعية والقيود الاجتماعية أو الأخلاقية.
فعندما لا يجد الفرد متنفساً لتلك الرغبات، تتراكم داخله مشاعر العدوان المكبوت أو الحزن، وتنعكس في شكل توتر أو سلوك دفاعي.
أما من منظور علم النفس الإنساني، مثل كارل روجرز، فهذا الشعور هو فجوة بين “الذات الواقعية” و“الذات المثالية”؛ أي بين ما نحن عليه فعلاً وما نعتقد أنه يجب أن نكونه.

كيف يمكننا التعامل مع الإحباط؟
- الاعتراف بالمشاعر، أول خطوة للتعامل مع الإحباط هي الاعتراف بوجوده دون خجل.
- تجاهل هذا الشعور السلبي أو كبحه لا يلغيه، بل يجعله يتراكم في اللاوعي. اسمح لنفسك أن تشعر، أن تغضب، أن تحزن، لكن لا تبقَ هناك طويلاً.
- إعادة التقييم
 اسأل نفسك: هل هدفي واقعي؟ هل طريقتي للوصول إليه مناسبة؟
 أحياناً نحتاج إلى تعديل الخطط، لا إلى التخلي عن الحلم.
- فصل الذات عن الفشل
 الفشل لا يعني أنك “سيئ”، بل أنك “جربت شيئاً لم ينجح”.
الفارق بين الناجحين وغيرهم ليس في عدد مرات الفشل، بل في قدرتهم على التعلم منه.
- تخفيف الضغوط الخارجية
 قلل من المقارنة بالآخرين، ولا تجعل رضا الناس مقياسًا لنجاحك.
تذكّر أن مسارك فريد، وأن لكل شخص توقيته الخاص.
- طلب الدعم النفسي
 في حال استمر الإحباط لفترة طويلة وأثر على الأداء اليومي، يُستحسن اللجوء إلى مختص نفسي.
العلاج النفسي يساعد على اكتشاف الأسباب العميقة، وإعادة بناء الثقة بالذات.
- إعادة بناء الأمل
 الأمل ليس شعوراً سطحياً، بل مهارة نفسية تُزرع بالتدرّب.
 ابدأ بأهداف صغيرة، واحتفل بالإنجازات الجزئية، لأن كل خطوة ناجحة تعيد شحن النفس بطاقة إيجابية.
الإحباط كفرصة للنمو
قد يبدو الإحباط في لحظته مؤلماً، لكنه كثيراً ما يكون بوابة لاكتشاف الذات.
كم من شخص فقد وظيفة فوجد نفسه في مجال جديد أكثر إبداعاً ، وكم من علاقة انتهت فكانت بداية سلام داخلي.
الحياة لا تُقاس بعدد المرات التي فشلنا فيها، بل بعدد المرات التي قررنا أن نبدأ من جديد.
في الحقيقة، هذا الشعور لا يقتل الحلم، بل يكشف مدى تمسكنا به.
فإذا كان الحلم أصيلًا، سيعود في شكلٍ آخر، أقوى وأنضج وأكثر واقعية.
ختاماً
هذا الخوف واليأس ليس عدواً يجب محاربته، بل إشارة نفسية تدعونا للتوقف، للمراجعة، لإعادة ترتيب أولوياتنا.
فكل إحباط يحمل في طياته فرصة للنضوج، وكل خيبة تحمل درسًا في الصبر والمرونة.
أن تشعر باليأس والخور لا يعني أنك ضعيف، بل يعني أنك لا زلت تحاول، لا زلت تؤمن بشيء يستحق السعي من أجله.
وفي النهاية، لا أحد ينجو من الإحباط، لكن العظماء هم أولئك الذين جعلوه وقوداً للتغيير لا حجةً للاستسلام.
بقلم 🖋
أبي عادل القاسم الجاك
اختصاصي ومعالج نفسي
رقم العيادة الاونلاين
00249116071234
 
				