ما الذي يمنع الإنسان من الوصول إلى الكواكب البعيدة
الوصول إلى الكواكب البعيدة يتطلب قطع مسافات هائلة
- يقلب الإنسان نظره في السماء منذ العصور البعيدة متسائلا عما يوجد فيها من كواكب و أقمار و نجوم و ماذا فيها مما يجهله ، و مع التطور التكنولوجي الكبير مازال الإنسان حبيس الأرض و قمرها
منذ العصور السحيقة يتأمل الإنسان السماء ممنيا نفسه باستكشافها و التجول بين أجرامها و أفلاكها، و الوصول إلى الكواكب البعيدة، ليرتبط هذا الشعور بخياله و آدابه و منتوجه الفني و أساطيره المحكية للأجيال و المتناقلة عبر الأزمان.
اعتقد الكثيرون أن الطريق أصبح ممهدا لبلوغ أي مكان في الفضاء بعد النجاح في الهبوط على سطح القمر في عام 1969، و لكن مر أكثر من 50 عاما على ذلك الحدث الكبير لم يستطع الإنسان المرور إلى ما هو أبعد مما حقق، فما الأسباب التي تمنعنا حقا من الوصول إلى الكواكب البعيدة ؟.
الوصول إلى الكواكب البعيدة يتطلب قطع مسافات هائلة
العائق الأول أمام الإنسان من أجل الوصول إلى الكواكب البعيدة هو المسافات الهائلة التي يتعين عليه قطعها، فعلى سبيل المثال يبعد كوكب المريخ عن كوكب الأرض بنحو 54,6 مليون كيلومتر في أقرب نقاط التقارب بين الكوكبين.
و إن سقنا مثالا آخر فإن كوكب المشتري يبعد عن كوكبنا بنحو 628 مليون كيلومتر، أما أبعد كواكب المجموعة الشمسية و هو نبتون فيقع على بعد 4,3 مليار كيلومتر من حيث نعيش.
يحتسب العلماء المدة التي نستنفذها للوصول إلى نبتون بالطيران 9 سنوات دون توقف باستخدام أحدث و أسرع مركبة فضائية تم بناؤها و تصل سرعتها إلى 700,000 كيلومتر/ ساعة.
هذا هو التحدي الأبرز، إذ تستنفذ المسافة الوقت و الموارد و تجعل الأجرام حتى القريبة نسبيا بعيدة المنال.
الوصول إلى الكواكب البعيدة يتطلب تقنيات دفع هائلة
معظم المركبات الفضائية التي يسيرها الإنسان اليوم تعتمد على الصواريخ، نعم أوصلت هذه التقنية الإنسان إلى القمر، لكنها تعجز بشكل كبير عن نقله إلى أبعد من ذلك.
حمل صاروخ ساتورن 5 الإنسان إلى القمر، و هو صاروخ قوي بالفعل، إلا أنه يستهلك آلاف الأطنان من الوقود لقطع مسافة قصير ليست أبعد من 384,000 كيلومتر.
لحل هذه المعضلة تجري الأبحاث في الوقت الحالي حول المحركات النووية و الدفع الأيوني و المحركات البلازمية غير أن هذه التجارب ما زال الوقت مبكرا على اعتماد نتائجها و العمل على استخدام تلك النتائج في رحلات الفضاء من أجل الوصول إلى الكواكب البعيدة.
الإشعاعات الفضائية القاتلة
يمثل الغلاف الجوي حماية فعالة للحياة في كوكبنا بتدبير الخالق البديع، و يعني ذلك أن خروج الإنسان إلى خارج الغلاف الجوي يجعله عرضة للإشعاعات الكونية القاتلة.
متوسط الجرعة الإشعاعية على سطح كوكبنا هو 2,4 ملي سيفرت في السنة، و هو ما يوضح حجم الحماية التي يقدمها الغلاف الجوي و الجاذبية للكوكب المأهول، أما في محطة الفضاء الدولية فمتوسط الجرعة هو 80 ملي سيفرت في ال 6 أشهر.
و يقدر الأمر في رحلة الذهاب إلى و العودة من كوكب المريخ ب 1,000 سيفرت و هو أقصى حد مسموح به طوال حياة رائد الفضاء و فق الأنظمة المعمول بها في وكالة الفضاء الأمريكية.
هذه الإشعاعات تتمثل خطورتها في تسبيب السرطانات و تلف الحمض النووي للإنسان، و لا يمكن تجنبها إلا بوجود دروع إشعاعية فعالة و خفيفة في ذات الوقت، و هو ما لا يتوفر حتى الآن لاستخدامه في رحلات الوصول إلى الكواكب البعيدة.
تحديات حيوية و نفسية
من أجل الوصول إلى الكواكب البعيدة لا يواجه الإنسان تحد تقني فقط، بل هناك تحديات إنسانية، حيث يسبب انعدام الوزن مشكلات صحية أبرزها:
1/ فقدان كتلة العظام بنسبة 1% شهريا.
2/ ضعف القلب و ضمور العضلات.
3/ مشكلات في النظر سببها اختلال توزيع السوائل في جسم الإنسان.
كما أن الإنسان الكائن الإجتماعي سينعزل خلال رحلة الوصول إلى الكواكب البعيدة عن الآخرين مما يشكل ضغطا نفسيا هائلا، مثلما يحدث لرواد فضاء زاروا المريخ و عادوا – افتراضيا – حيث لن يلتقوا أحدا على مدى 3 سنوات، و هو أمر يسبب القلق و الاكتئاب.
و تعتبر تحديات التغذية من أكبر التحديات التي تحول دون الوصول إلى الكواكب البعيدة، و هو ما يتطلب إعادة تدوير الغذاء أو إنتاجه داخل المركبة الفضائية أو على الكوكب الذي يتوجه إليه الرواد.

صعوبة الهبوط و الإقلاع في الكواكب الأخرى
لا تماثل الكواكب الأخرى كوكب الأرض المهيأ لحياتنا، فمن أكبر تحديات الوصول إلى الكواكب البعيدة و استكشافها صعوبة دخول الغلاف الجوي و الهبوط.
على سبيل المثال لا يجدي استخدام المظلات في محاولة الهبوط على سطح كوكب المريخ لرقة الغلاف الجوي هناك، مما يستدعي وجود أنظمة متكاملة تجمع بين الصواريخ العكسية و الدرع الحراري و المظلات العملاقة.
أما الكواكب الكبيرة مثل المشتري فلا يمكن بأي حال مما هو معلوم الهبوط عليها بسبب عدم وجود السطح الصلب، كما أن الجاذبية الكبيرة تجعل من الإقلاع منها أمرا مستحيلا.

التكاليف الاقتصادية لرحلات الفضاء
و من بين تحديات الوصول إلى الكواكب البعيدة التكاليف الاقتصادية الكبيرة و التي تعجز عنها ميزانيات الدول الكبرى.
على سبيل المثال كلف برنامج أبوللو الذي قاد إلى الهبوط على القمر الخزينة الأمريكية 25 مليار دولار و قتها، و هو ما يفت من عزيمة القائمين على الفكرة باعتبار أن هذه المبالغ الضخمة يحتاجها سكان الأرض و مواطنو الدولة صاحبة البرنامج.
تحدي صعوبة الاتصال الفضائي
كلما ابتعد الإنسان عن الأرض بغية الوصول إلى الكواكب البعيدة كلما تأخر وصول إشارات الاتصال بين المراكز الأرضية و المركبة الفضائية، و هو ما يطرح ضرورة أن يكون التحكم في المركبة ذاتيا و لا يرتبط بمراكز التحكم على الأرض.
طموح الوصول إلى الكواكب البعيدة في المستقبل
لا يكل الإنسان من محاولاته غزو الفضاء و استكشافه، و قد يصل إلى تقنيات أفضل في المستقبل تمكنه من تحسين تجربته الممتدة عبر القرون.
يعتقد أن الوصول إلى استخدام المحركات النووية قد يقلل مدة السفر إلى المريخ من 9 أشهر إلى 3 أشهر.
و يطمح العلماء إلى الوصول إلى دروع إشعاعية فعالة من الماء و الهيدروجين أو الحقول المغنطيسية الاصطناعية تساعد على حماية الرواد خلال الرحلات الكونية.
و يأمل العلماء كذلك في إيجاد تقنيات تساعد الرواد في استخلاص الماء من طبيعة الكواكب و الأقمار التي يزورونها للحصول على الماء للشرب و الوقود و الأوكسجين.
خاتمة
تواجه الإنسان تحديات علمية و تقنية و اقتصادية كبيرة تمنعه من الوصول إلى الكواكب البعيدة، و مع ذلك لا يدخل الأمر في نطاق المستحيل، فحلم الإنسان في بلوغ الأجرام و استكشافها لا يموت، كما أن عقله لا يتوقف عن إنتاج الأفكار و تطوير التقنيات التي تساعده على تحقيق الحلم.
مثلما هبط الإنسان يوما على سطح القمر و كان الأمر وقتها أشبه بالمعجزة، فقد يكون الهبوط على سطح المريخ في يوم ما حقيقة، بل و قد يذهب بنو الإنسان إلى أبعد من ذلك في الفضاء البعيد، الذي يتسع على الدوام وصولا إلى النهاية التي قدرها له خالقه جل وعلا، الذي قال عن الأرض في القرآن الكريم “قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو* قال فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون” 24 و 25 من سورة الأعراف.